قالت له
قالت له: بيننا حلو ومر وأيام مليئة بالذكريات ومشحونة بالصور، وبعضها يقارب في الجمال حدود الخيال، وبعضها صعب نريد أن ننساه. فعندما نتخيل ما بيننا نستعيد الأحلى ونحاول تفادي الذكريات المرّة واللحظات المريرة. فهل تحمل في ذاكرتك لنا ما يجعل الغلبة للأجمل؟
قال لها: ليست الذاكرة انتقائية، ولكنها ليست حيادية.
قالت: وهذا يعني أنك تحمل توازي الحلوة والمرة؟
قال: هذا يعني أن الصور تتدفق أمام العين عندما نغمضها بلا تخطيط.
قالت: ولم تجبني عن سؤالي.
قال: أردت أن تستنتجي الجواب.
قالت: لو كان ذلك ممكناً لما سألت.
قال لها: أوضحت لك القواعد، فهل صار الجواب أسهل؟
قالت: بل زدته تعقيداً.
قال: سأوضح أكثر.
قالت: وكلي إصغاء.
قال: بيننا وبين الذين يسكنون مكاناً له صلة بالعواطف ليست الذاكرة تسجيلية وتوثيقية. والصور التي تأتينا عنهم في لحظة الاستذكار ليست انتقائية بخيارنا ورغباتنا ولا هي حيادية بعيدة عن المشاعر. وهي ذاكرة متحركة وفقاً لتحرك المشاعر فعندما نخرج من سجال حار وساخن ونفترق ونغمض أعيننا سنجد صورة لمن نحبّ غير تلك الصورة التي تحضر عندما نكون في حالة وجد وشغف، أما بينهما فلك الاستنتاج.
قالت: ولأنني أسأل عما بينهما تهرّبت من الجواب.
قال لها: ربما لأنك تائهة في تحديد ما عندك تحارين في فهم ما عندي.
قالت: سؤالي عما عندك.
قال لها: هاتي ما عندك تعرفين.
قالت: أنا صاحبة السؤال.
قال لها: حسنا إليك الجواب.
قالت: المهم ألا يكون جواباً بسؤال.
قال: ما اقصد أن الصورة الإجمالية لمن نحب تتحرك حسب قوة حضور المشاعر، فإن كنا لا نزال نحبّ بقوة تغيب كل اللحظات الصعبة والقاسية عند استحضار صورة الحبيب. فيحضر بابتسامته وإقباله اللطيف ولحظات العناق والوفاق وعندما تتدهور المشاعر وتصير في حال من الفتور تحمل الذاكرة صورة من هنا وصورة من هناك. وعندما تسقط المشاعر في السلبية والنفور تصير الصورة المهيمنة هي الخلفية القاتمة.
قالت: وهذا سبب سؤالي عن الصورة القائمة.
قال لها: ولهذا أردت اعترافك في المقدمة قبل سماع الخاتمة.
قالت: أنا لا أراك إلا جميلاً.
قال: وأنا لا أرى السوء فيك إلا قليلاً.
قالت: والصورة المهيمنة على الذاكرة؟
قال لها: صورة ساحرة.
قالت: ماذا ايضاً؟
قال: وضحكة ساخرة.
قالت: والصورة القاهرة؟
قال لها: ليست نافرة.
قالت: والصورة النادرة.
قال لها: قبلة حائرة.
قالت: هاتها «وأنا شو ناطرة».
فقبلها ومضيا.