رئيس الحزب فارس سعد في ذكرى استشهاد سعاده: باقون في ساح الصراع أوفياء لدماء الزعيم الزكية مدافعين عن القضية القومية مقاومين لتحيا سورية
في الثامن من تموز، ذكرى استشهاد المؤسس أنطون سعاده، أصدر رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الأمين فارس سعد البيان التالي:
سبعة عقود مرّت على جريمة اغتيال زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي، ودم شهيد الثامن من تموز لم ولن يجفّ، إنه الدم التموزي الذي رسم خارطة طريق لخلاص الأمة وعزها ومجدها.
سبعة عقود مرّت على الاغتيال الذي لم يشهد التاريخ المعاصر مثيلاً له. دول استعمارية مع الحركة الصهيونية، وعملاء وأدوات، عرب ولبنانيون، اجتمعوا وقرّروا تصفية سعاده، لتصفية القضية التي حدّدها، وآمن بها، وعمل لانتصارها.
الحزب المقاوم الذي أسّسه، والعقيدة الصحيحة التي وضعها، والمبادىء المحيية التي رسّخها، والغاية النبيلة التي حدّدها، والمواقف الحازمة التي أطلقها، والمفاهيم النهضوية التي أرساها، أظهرت كلها، أنّ سعاده جاء منقذاً لأمته وشعبه من واقع التجزئة الذي فرضته «سايكس بيكو»، ولمواجهة «وعد بلفور» المشؤوم. ولذلك، حاكت الحركة الصهيونية والدول الاستعمارية مؤامرة التخلص من سعاده، مؤامرة نفذها العملاء والأدوات ضاربين عرض الحائط بالعهود والقوانين ومفاهيم العدالة، وهنا يصحّ قول سعاده: «إنّ بلاءنا بيهود الداخل أشدّ من بلائنا بيهود الخارج.»
بواقعة اغتيال سعاده على رمل بيروت، تكشفت الحقائق وبأن بعض رموز النظام الطائفي في لبنان، ينفذ سياسات ومصالح استعمارية مقابل استمراره، والنظام الطائفي ذاته، لم يكتفِ بجريمة العصر التي ارتكبها بحق سعاده، بل جلب الخراب والحروب على لبنان وأثقل كاهل اللبنانيين بالمعاناة.
اليوم، وبعد سبعين عاماً على جريمة اغتيال سعاده، لا يزال النظام الطائفي يشكل خطراً على لبنان، فهو ولاّدة للحروب والأزمات والفتن، بعد أن استعصى على كلّ إصلاح نصّ عليه اتفاق الطائف، بدءاً من إلغاء الطائفية إلى قانون الانتخابات النيابية.
النظام الطائفي لم يخرج من ظروف وأسباب نشأته، ولذلك، يقف حائلاً مانعاً أمام تحوّل اللبنانيين من رعايا طوائف ومذاهب الى مواطنين موحدين متساوين في الحقوق والواجبات، ويمتهن استثارة الغرائز لصناعة الفتن وتعزيز الانقسامات ولمنع قيام دولة المواطنة المدنية الديمقراطية.
في الذكرى السبعين لاستشهاد سعاده نؤكد:
أولاً: إنّ اغتيال سعاده، تمّ بناء على مخطط استعماري صهيوني، بهدف وأد المشروع القومي الذي وضعه سعاده وحمله الحزب القومي، لتثبيت سيادة الأمة على نفسها، ولتحقيق وحدة المجتمع وترسيخ قيَم الأخاء والعدالة والمساواة، والدفاع عن فلسطين والتمسك بلبنان نطاق ضمان للفكر الحر.
ولذلك، نشدّد اليوم على مواصلة العمل السياسي لإنقاذ لبنان من مربع التبعية للقوى الاستعمارية الموصولة بالعدو اليهودي، ونرى بأنّ أقصر الطرق لهذا الإنقاذ، تبدأ بوأد النظام الطائفي بكلّ معادلاته وارتباطاته، وبقيام دولة المواطنة العادلة والقوية والقادرة.
إنّ الممرّ الإجباري لبلوغ هدف قيام الدولة القوية القادرة، هو عن طريق حماية عناصر قوة لبنان، والتمسك بثوابت الانتماء وبتعزيز العلاقات بين لبنان والشام وفق ما نصّ عليه اتفاق الطائف. لكن ما نشهده في لبنان، تنكّرٌ من قبل البعض لهذه الأولويات والثوابت، تحت عباءة النظام الطائفي وبدعة «توازناته»، وهذا خطر جسيم يبقي البلد غارقاً في أزماته البنيوية، الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
المقاومة دحرت الاحتلال الصهيوني وحرّرت معظم الأرض اللبنانية وشكلت معادلة ردع دفاعاً عن السيادة والكرامة. ومع المقاومة وسلاحها صار لبنان محصّناً بعامل القوة.
إنّ الذين يريدون نزع سلاح المقاومة، لا يريدون قيام الدولة. والذين يرفضون معادلة الشعب والجيش والمقاومة لا يريدون بناء الدولة، والذين يقفون مع محور الحرب على سورية، يتنكرون لدستور «الطائف» الذي نصّ على العلاقات المميّزة مع الشام، والذين يرفعون شعارات النأي والحياد إنما يتنازلون عن حق لبنان في تحرير ما تبقى محتلاً من أرضه، وهؤلاء جميعاً بارتباطاتهم والأجندات التي ينفذونها، مسؤولون عن إبقاء البلد في مآزقه وأزماته، بهدف إعادته الى مربع الضعف والهوان.
ولأنّ لبنان أصبح بفعل المعادلة الذهبية في مربع القوة، ثابتاً راسخاً، ندعو البعض الى التخلي عن كلّ الرهانات التي لا تتطابق مع هوية لبنان وانتمائه، والانخراط في مشروع قيام الدولة فعلاً لا قولاً، على القواعد التي تحرّر البلد من أسر نظامه الطائفي ولبلوغ دولة المواطنة.
لبنان يواجه تحديات اقتصادية ومعيشية وبيئية، وعلى كلّ الصعد، والمطلوب وضع سياسات شفافة لمواجهة هذه التحديات، فليس بسياسة الاقتراض وحدها يخرج لبنان من أوضاعه الاقتصادية الصعبة، بل من خلال برنامج إنقاذي متكامل، يبني الاقتصاد على قواعد متينة تحقق العدالة الاجتماعية، ويلغي بشكل حاسم كلّ أشكال الهدر والفساد والسمسرات والصفقات بالتراضي. خصوصاً أنّ ما نراه في موضوع محاربة الفساد، «أكباش» فداء صغيرة، بينما الحيتان الكبيرة «خارج الشبهات».
إننا نرفض أية ضــرائب جديدة تطال ذوي الدخل المحدود، كما نرفــض المــسّ برواتب العسكريين والموظفــين، ونجدّد التأكيد على ضرورة سدّ عجز الموازنــة، من أبــواب معــروفة، محميــة بالمحاصصة والنفوذ.
في ذكرى استشهاد سعاده، نؤكد بأنّ برنامج ثورة تموز، بكلّ عناوينه، لا يزال صالحاً للإنقاذ، لأنه يقوم على أساس بناء دولة المواطنة، وتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تنظيم الاقتصاد على أساس الإنتاج، وإنصاف العمل.
ثانياً: انطلاقاً من كون المسألة الفلسطينية جوهر القضية القومية، فإنّ فلسطين كانت ولا تزال بوصلة صراعنا ضدّ العدو الصهيوني، على أرض فلسطين منذ ثلاثينيات القرن الماضي وفي لبنان. وفلسطين حاضرة دائماً في مسيرة نضالنا، ولذلك نؤكد رفضنا كلّ التسويات والصفقات والاتفاقيات التي تفرّط بحبة تراب واحدة من أرض فلسطين. ونعتبر أنّ صفقة القرن لتصفية المسألة الفلسطينية تشكل تهديداً وجودياً ومصيرياً لكلّ شعبنا وأمتنا، وهذه الصفقة لن تمرّ، مهما كان حجم تآمر بعض العرب على فلسطين والفلسطينيين.
إننا اذ نجدّد إدانة كلّ أشكال التطبيع العربي مع العدو الصهيوني، ندعو الشعوب العربية إلى رفض التطبيع ومواجهة سياسات الأنظمة المطبّعة، ونحن على ثقة بأنّ نبض الشعوب العربية نبض كرامة واباء نصرة لفلسطين والمقاومة.
ثالثاً: إنّ سورية، بصمودها وثباتها ومواجهتها الإرهاب ورعاتهم ومشاريع التقسيم والتفتيت، أثبتت للعالم كله، بأنها القلعة القومية التي على صخور مجدها تتحطم كلّ المؤامرات، وبأنها الرقم الصعب الذي لا يمكن شطبه، ليس على صعيد المنطقة وحسب بل على الصعيد الدولي، وهذا كله تكرّس بفضل القيادة السورية، وبفضل الجيش السوري الباسل الذي قدّم أغلى التضحيات، وبتعاون كلّ القوى التي وقفت الى جانب الجيش في خندق واحد بمواجهة الإرهاب، وفي طليعة المقاومين نسور الزوبعة أبطال الحزب السوري القومي الاجتماعي.
إننا وفي ذكرى استشهاد سعاده، نؤكد بأنّ انتصار سورية على الإرهاب، هو انتصار على كلّ الدول التي رعت الإرهاب وموّلته وشاركته في التدمير وارتكاب المجازر الإرهابية، لا سيما الولايات المتحدة وحلفائها، وتركيا والكيان الصهيوني وبعض العرب المتأسرلين. ونرى بأنّ صمود سورية وانتصارها، شكل ضربة قوية لكلّ أوهام وأحلام الاستعمار والاحتلال، ولصلافة تركيا الأردوغانية وبعض العرب الذين يتوسّلون حماية عروشهم من أميركا وكيان العدو الصهيوني.
إنّ الحرب الإرهابية على سورية استهدفت إسقاط القلعة القومية الحاملة لقضية فلسطين والحاضنة للمقاومة، ولإلغاء دور سورية وإخضاعها لمشيئة القوى الاستعمارية والصهيونية العالمية.
ولذلك نؤكد بأننا ماضون على ما نحن عليه، في مقاومة الإرهاب، ومستمرون في عملنا لتحصين الوحدة الداخلية، وفعل كلّ ما يعزز هذه الوحدة، من خلال دورنا ومشاركتنا الفاعلة في عملية التحصين.
رابعاً: نرى أنّ ما حققه العراق في مواجهة الإرهاب ومشاريع الانفصال، شكل دعامة أساسية لتثبيت وحدة العراق، وإفشالاً لأهداف المخطط الأميركي الصهيوني الذي أراد لهذا البلد أن يغرق بوحول الفتن الطائفية والمذهبية والاتنية وأن يتشظى بالانقسامات والدويلات.
لقد نجح العراق في اجتثاث الإرهاب من معظم المناطق، غير أنّ من هم وراء الإرهاب مستمرون في خططهم التي تستهدف تقسيم العراق، لذلك نتوجه إلى شعبنا في العراق، بأن يلتفّ حول حكومته وكلّ القوى المقاومة، دفاعاً عن وحدة العراق، ولكي يتحوّل الى ظهير قوي لسورية، لتشكيل حزام أمان للأمة كلها.
خامساً: إنّ التحديات الاقتصادية والسياسية الصعبة التي يواجهها الأردن، هي من جراء الضغوط التي تمارسها أميركيا و»إسرائيل» وبعض الدول الخليجية، حيث أنّ «صفقة القرن» تهدف الى جعل الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين، ما يعني أنّ هذه الصفقة لا تهدف لتصفية المسألة الفلسطينية وحسب، بل أيضاً لتصفية المسألة الأردنية.
ولذلك، ندعو أبناء شعبنا في الاردن إلى مواجهة صفقة القرن، وندعو الحكومة الأردنية الى التصدي للمشكلات الاقتصادية بسياسات ناجعة، وعدم الرضوخ لكلّ أشكال الضغوط.
أخيراً: في يوم الفداء التموزي، نعاهد الزعيم، القائد، القدوة، على العمل الحثيث لتماسك أبناء الحياة، وتراص صفوفهم، كما نعاهده على البقاء في ساح الصراع، أوفياء لدمائه الزكية، مدافعين عن القضية القومية، مقاومين لتحيا سورية وليحيا سعاده.