سليم سعادة: الموازنة عمرها قصير ولا إصلاح فيها ولا تقشف ونأمل في الموازنة المقبلة ان ندخل في العمق لنحسّن الواقع فعلياً
أكد عضو الكتلة القومية الاجتماعية النائب سليم سعادة أنّ أهمّ ما في هذه الموازنة انّ عمرها قصير، لأنها لا تتضمّن شيئاً، لا يوجد فيها أيّ إصلاح أو تقشف، إذاً هي ليست تقشفية او إصلاحية وانما هي كسابقاتها.
وفي كلمته التي ألقاها أمس في المجلس النيابي باسم الكتلة القومية خلال جلسات مناقشة الموازنة العامة قال النائب سعادة: سمعت رئيس الجمهورية يقول إنّ لبنان مثل «التايتنك» يغرق والجميع في الخارج يصفق وأنا أؤيده، بمعنى انّ كلّ الطبقة السياسية في مكان وواقع البلد في مكان آخر.
اليوم سأتكلم كتلميذ اقتصاد في الموضوع والمالي والاقتصادي، وبعيداً عن أيّ خلفية سياسية، منذ الاستقلال حتى الآن لم يمرّ علينا ظرف كالذي نمرّ به اليوم لناحية الوضع النقدي والمادي والاقتصادي، ولاحقاً سأتكلم عن وضع المحاسبة الذي لم يعط أيّ أحد صورة حقيقية عنه.
وسأبدأ من ديوان المحاسبة الذي من المفترض أن يقوم بمراجعة للأوراق المالية للدولة اللبنانية، ايّ تدقيق خارجي، ولفترة عشرين سنة، أيّ من من عام 1997 وحتى عام 2017، هناك ثلاث حقائق وأتمنّى من الجميع الاصغاء…
أولاً: ديوان المحاسبة لم يحاسب يوماً ولم يقم بأيّ تدقيق، هناك محاولة يتيمة عام 1978 فشلت ولم تكتمل ويمكنكم سؤال رئيسه عن ذلك.
الحقيقة الثانية والتي هي أهمّ من الأولى: ديوان المحاسبة ليس لديه الخبرة والإمكانية لإجراء التدقيق، لا بل هو يستعين بخبرات من الخارج في هذا الإطار…
وثالثاً والأهمّ التدقيق لا يكون بالمراسلة، بل يجب أن يكون هناك فريق يقصد وزارة المالية ليدقق في كلّ تفصيل.
أما عن موضوع قطع الحساب، فهو عبارة عن بيان مالي، والبيان المالي عبارة عن ورقتين فقط، ونشكر وزير المال على جهده في هذا الإطار، علماً أنّ نظام قطع الحساب موجود في كلّ العالم منذ 500 سنة ونحن اليوم قرّرنا اعتماده.
أما في ما يتصل بموضوع الدين منذ 2012 وحتى الآن نسبة الدين للناتج المحلي تتصاعد وبلغت 152 ونحن نسير من سيّئ إلى أسوأ، وفي الموازنة تستطيع ان تغش كيفما شئت بينما في موضوع الدين من المستحيل الغش، إذاً موضوع الدين هو المقياس الأساسي لتصرف الدولة والحكومة.
وطبعاً مؤتمر «سيدر» يهمّهم مراقبة العجز الذي هو 7,30 ، وذهبت الحكومة على أساس أنه 8,30 وعادت منه بنسبة 11,30 ومن جهتي اؤكد أنه ليس 7,30 بل 9,30 .
اما لجهة تكوين الدين، فهو عبارة عن ثلاثة أقسام، قسم بالدولار وهو الثلث، وقسم بالعملة اللبنانية جزء منه موجود في مصرف لبنان والجزء الآخر في باقي البنوك اللبنانية، النظرية المالية الحديثة تقول «انه مهما كانت الدولة سيئة واقتصادها منهاراً فهي لا تفلس شرط أن لا تكون استدانت بعملة غير عملتها» وهذا القانون خرقناه واستدنا بالدولار ومهما بلغ التضخم يبقى هذا الدين سيفاً مسلطاً على رقابنا مدى الحياة.
اما الثلث الثاني في مصرف لبنان فيأخذ مقابله المصرف سندات إيداع، وهذا ما يسمّى فوائد مخفية وغامضة ولكنها جزء من كلفة الدين لحماية سعر صرف الليرة.
بالعودة الى القشة التي قصمت ظهر البعير وهي ما فعله مجلس النواب المنقوص الدستورية والشرعية منذ سنتين حين أقرّ سلسلة الرتب والرواتب مع مروحة ضرائب ورسوم ويقول للجميع لا تخافوا لدينا واردات مقابل السلسلة، ثم تكون النتيجة ان لا واردات والسلسلة تتضاعف وبالنتيجة اختفى ملياران ونصف مليار دولار ليقفز العجز من 3,8 إلى 6,5 مليار، وبالتالي تصاعدت الفوائد، وفي نفس الوقت نضطر للاستدانة أكثر، وحين ترتفع الفوائد نصل الى موت كامل للاقتصاد بنمو دون الصفر، ومن جهة ثانية ارتفاع الفوائد زاد كلفة الدين العام وهذا سيظهر جلياً لاحقاً.
من جهتي لست موافقاً على مقدّمة الموازنة مع كامل احترامي لوزير المالية، والحقيقة انّ التوصيف الذي ذكره أنها حلقة مفرغة وعنق زجاجة ليس في مكانه بل هي حلقة انفجارية، ترتفع الفائدة فيزيد العجز، وهذه هي الورطة التي وقعنا فيها ونقوم بالبحث عن المداخيل.
اما عن نسبة زيادة الفوائد فهو قد يجلب مردودا ولكنه ليس حلاً، لذا علينا انتظار موازنة 2020 لنعلم إذا كانت الحكومة جادة في الإصلاح. الجميع يقول إنّ الدولة لا تقوم بواجباتها وفعلياً هذه الدولة تقوم بطحن الهواء لتطعمنا إياه، وهناك وزارات وإدارات ومؤسسات لا تقوم بأيّ شيء ويمكنني ان اعدّدها لكم، بدءاً بوزارة الإعلام ووزارة المهجرين وهذه الوزارة لم يعد لها أيّ دور لأنه لم يعد هناك مهجرون وأتحدى أيّ أحد يثبت لي عكس ذلك.
نصل إلى سعر صرف الدولار وهو أكبر فخ في العالم حيث أنّ القاعدة الاقتصادية تقول «اذا سرتَ في وجه السوق وضدّه لفترة طويلة ستقع في فخ كبير لا يمكنك الخروج منه، وبالتالي تبقى فيه.
البنك المركزي جمع السيولة من البنوك ووضعها عنده كشهادات إيداع، والفوائد ارتفعت، وهذا ما قاله وزير المالية. وفي كلّ العالم دور البنك المركزي تخفيض الفوائد لتحفيز النمو الاقتصادي ويضخ سيولة في البلد ليحرك عجلة الاقتصاد وسياسة مصرف لبنان عكس هذه السياسة بالكامل.
الموازنة تشوبها ثلاث نقاط سوداء عدا الـ 11 مليار دولار، وهذا المبلغ الضخم جداً هو النقطة السوداء الاولى بمعنى المحاسبة الابتكارية أيّ ان تستدين من ذاتك، وهناك نفقات الخزينة التي لم تأت على ذكرها الموازنة، والنقطة الثالثة الواردات المبنية على 1 بالمئة ولا نتفاءل كثيراً بالواردات، في المختصر لن يكون العجز عندنا أقلّ من 10 وأنا طالبت في لجنة المال والموازنة طالبت الوزارة أن تعطينا النفقات والواردات للسنوات السابقة.
اما بالنسبة لـ «سيدر» الذي يضع الشروط، هم يعرفون أننا نكذب عليهم ونحن نعرف أنهم يعلمون بأننا نكذب عليهم في ما يتصل بالعجز وهذه هي الحقيقة المجردة.
الموضوع الإنساني الوحيد في الموازنة هو الموارد البشرية، حمورابي ومنذ 3700 سنة قسّم الناس إلى ثلاث أجناس، العظماء والعاديين والعبيد، ونحن في الدولة اللبنانية لم نزل نسير على هذا التصنيف، بمعنى هناك الأخيار الذين يدخلون الى الدولة برواتب مرتفعة والعاديين الذي يدخلون من خلال مجلس الخدمة المدنية وهناك العبيد الذين يتعاقدون مع وزارة التربية على سبيل المثال… ورحم الله حمورابي.
ونأمل في الموازنة المقبلة ان ندخل في العمق لنزيل الرواسب السيئة ونحسن الواقع بشكل فعلي، وعلينا إيجاد التوازن بين استقلالية البنك المركزي وموضوع المساءلة.