متى يعودُ الكردُ السوريون… إلى وطنهم؟

د. وفيق إبراهيم

يزدادُ التلاعب الأميركي بمصير الأكراد في الشرق الأوسط من خلال استهلاكهم في الصراعات المندلعة في شرقي سورية وشمالها والعراق، وصولاً الى إيران وتركيا إنما في مراحل آجلة.

أما سبب الاستعمال فعائد الى ان الكرد هم الورقة الأخيرة الجاهزة للاستعمال الأميركي توهماً منهم بإمكان تأسيس كانتونات كردية متصلة، فيما يضغط الأميركيون للاستمرار بتأجيج الأزمات العربية والإقليمية لمنع تراجع نفوذهم في المشرق العربي والمنطقة الإسلامية، ولن يقفوا في وجه دويلات كردية إذا كانت تخدم مشروعهم.

لكنهم لن يحاربوا من أجلها لمجرد قدرتها على التعبير عن طموحات كردية.

لذلك يبدو واضحاً أن الأميركيين يعصرون قوة الديموغرافيا الكردية المتصلة من تركيا الى سورية والعراق وصولاً الى الهدف الأساسي إيران.

بما يوضح أن الأميركيين يدأبون لتأمين أدوات محلية كافية للاستمرار في تأجيج النزاعات على طول خط الانتشار الكردي، مع السيطرة على إمكانات هذه المنطقة من نفط وغاز، واتجاهات فعلية لتفتيت هذه الدول وفق إشكال مذهبية وربما عرقية.

لذلك يلعب الكرد أدواراً في الصراعات التالية:

السوري – الأميركي

السوري التركي

الأميركي – التركي

الأميركي الإيراني

الروسي الأميركي

السعودي السوري

السعودي التركي

السوري الإسرائيلي

لكن نقاط التعارض والتوافق بين هذه القوى تنتج ثلاث معادلات:

الحلف السوري الإيراني الروسي مقابل الحلف الأميركي السعودي الإسرائيلي الكردي الى جانب تركيا الجهة الثالثة تجد مصالحها تارة مع روسيا وطوراً مع أميركا إنما في إطار عداء ثابت لسورية والأكراد.

انما اين يجد الكرد انفسهم في هذه التقاطعات؟

انكفاء الإرهاب من غرب سورية والتركيز الأميركي على شرقي الفرات دفعا الأحزاب الكردية الى الاستسلام الكامل للمشروع الأميركي متوهمين أنه فرصتهم للاستحواذ على شرقي الفرات ليؤسسوا دولتهم على أراضيه الغنية بالنفط والغاز والمياه ويعتبرون هذا الأمر مقدّمة لوصل دويلتهم المرتقبة بكردستان العراق، على أن يلي ذلك انفصال الكرد في تركيا وإيران في إطار كانتونات متصلة بهم جغرافيا وعرقياً.

يتسبب هذا المشروع بعداء للأكراد مع السوريين العرب الذين يشكلون غالبية شرقي الفرات والاتراك المذعورين من المشروع الكردي والعراقيين المتوجسين شراً من الصراع التركي الكردي المندلع على أراضيهم والإيرانيين الذين بدأوا بقصف تجمّعات مسلحة لأكراد إيرانيين عند حدودهم مع كردستان العراق، حتى أن الروس انفسهم يؤيدون المطالب الثقافية والإدارية الخاصة بالكرد انما ضمن دولتهم فقط لكنهم يرفضون تحولهم مطرقة أميركية تهوي على معارضي السياسات الأميركية في المنطقة وتدفع نحو تفتيت الشرق العربي بكامله وربما الشرق الاوسط.

هناك نقاط عدة تكشف الزج الأميركي بالأكراد في آتون الصراعات في المنطقة، اولاً استعمالهم لتفجير سورية في إطار هندسة أميركية لمناطق سورية تبدأ من طول حدودها مع تركيا في الشمال وحتى حدودها مع العراق في الجنوب، فيغطي الأكراد انتشاراً أوروبياً في الشرق وإدارة إسرائيلية لتصدير النفط والغاز من شرق الفرات السوري الى الخارج.

هذا بالإضافة الى تأزيم الصراع الكردي التركي في الميدان العراقي، وذلك باغتيال ثلاثة دبلوماسيين اتراك في اربيل العراقية تقول المعلومات انها من تدبير حزب العمال الكردستاني «التركي» العامل ايضاً في سورية والعراق في كردستان وعند الحدود الإيرانية. وهذا هو الحزب الكردي العلني الوحيد الذي ينطلق من تركيا للتحرك في كامل الديموغرافيا الكردية في المنطقة.

لجهة طريقة الاستخدام الأميركية فالكرد الذين يهاجمون في سورية والعراق يعتقدون أنهم يؤسسون لدولتهم التاريخية، وسرعان ما يتضح ان الأميركيين هم المستفيدون من تأجيج الصراع الكردي التركي والتمرد الكردي على الدولة السورية وتنتفع «إسرائيل» أيضاً من الحركة الكردية لأنها تعتقد بإمكانيتها على استنزاف سورية والعراق، فتمسك بكامل الشرق من اليمن الى لبنان في إطار حلف مع الخليج بقيادة أميركية.

بذلك يؤدي التمرد الكردي خدمات اساسية للأميركيين والإسرائيليين والسعوديين ولكل منهم ما يبتغيه.

الأميركي على مستوى الإمساك بكامل المنطقة، والسعودية لجهة صراعها على زعامة العالم الإسلامي مع تركيا وإيران، و»إسرائيل» لجهة أمنها الاقليمي من ناحية سورية والعراق وصولاً الى امنها السياسي والاستراتيجي مع الخليج.

انما ما يستحدث معوقات للكرد هم الأتراك الوحيدون القادرون على فرملة المشروع الكردي لأسباب عدّة منها، قوتهم العسكرية الضاربة والايديولوجية من خلال الاخوان المسلمين وحاجة الأميركيين وحلف الناتو اليهم في صراعهم الجيوبوليتيكي الدولي.

اما النقطة الإضافية فهي العلاقات الروسية التركية المتجهة الى مزيد من التعاون، والتي تتملك من أسباب القوة ما يمنع المشروع الكردي من الاستمرار بالبناء على أوهام أميركية مخادعة.

لجهة الدولة السورية، فلن تسمح مطلقاً باستعمال الأكراد ورقة في ملفات المصالح الأميركية قابلة للإحراق عندما تتحقق مصالح الأميركيين كما أن العراق لن يقبل أبداً بأي استفتاء لتقسيم كردستان.

فهل يتعقل الكرد ويعودون الى وطنهم سورية؟

يحتاج الأمر الى قليل من الصراع مع الأميركيين حتى يفهم الكرد أن رهانهم الوحيد يجب أن يكون في وطنهم الذي ينتظر عودتهم على أحرّ من الجمر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى