الأمن المائي إدارة بالأزمة
سماهر الخطيب
يتبوأ مضيق هرمز درجة عالية من الأهمية الاستراتيجية في العالم، بحيث يُعتبر المضيق ورقة قوة لدى إيران لكون قرابة 20 مليون برميل من النفط الخام تمرّ منه يومياً، وفق أرقام لمنظَّمة البلدان المصدِّرة للبترول «أوبك»، وإدارة معلومات الطاقة الأميركية.
وسبق أن هدّدت إيران، مراراً بإغلاق المضيق ردّاً على العقوبات الأميركية ضدّها، ما يعني منع تصدير كمّيات هائلة من النفط الخام للعالم، والتسبُّب بأزمة وارتفاع أسعار النفط.
وفي حال نفّذت إيران تهديداتها وأغلقت حركة الملاحة في مضيق هرمز، سيؤدّي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي في الأسواق العالميَّة، إضافة إلى التسبُّب بانهيار اقتصادات بعض الدول التي تعتمد على هذه الواردات في اقتصادها.
وفي حين أراد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إدارة أزمة الملف النووي الإيراني التي افتعلها بانسحابه في أيار العام الماضي، وجاءت إدارته للأزمة المفتعلة عبر رفع ورقة الملاحة البحرية وحريتها والتهديدات التي من الممكن إلحاقها بالتجارة العالمية، إذا ما نفّذت إيران وعودها وأغلقت المضيق في وجه الملاحة البحرية، وفي ضربة استباقية كانت سلسلة تفجيرات طالت ناقلات النفط في الفجيرة وخليج عُمان، وصولاً إلى احتجاز ناقلة نفط إيرانية بأوامر أميركية ظناً من الأخيرة أنّ باستطاعتها إدارة الملف النووي و»جرّ» إيران نحو المفاوضات وإن كان الإعلان بأنها مفاوضات غير مشروطة ولكن يكفي أن يكون الفعل «جرّ» حتى يتضح جلياً بأنها مشروطة بـ»إذلال» الطرف الإيراني..
الأمر الذي كانت متنبّهة له القيادة الإيرانية، فما كان منها سوى ليس التلويح فقط بالرّد المماثل إنما التنفيذ واحتجاز ناقلة نفط بريطانية، والتصعيد الإيراني الذي جاء مماثل للتصعيد الأميركي وجناحه البريطاني ليس سوى إدارة بالإزمة مستخدماً الورقة ذاتها إنما بقوة قانونية مسلّم لها دولياً، وليست قوة التجاوز عن القانون الدولي..
في الأثناء علا صوت الأميركي مطالباً بتشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة العالمية في المضيق، كان صداه صوت بريطاني يطالب بتشكيل تحالف أوروبي للسبب ذاته في محاولة لرفع حدّة التصعيد الإيراني، الذي كان ردّه بهدوء ورصانة بأنّ حماية أمن الملاحة هو ضمن صلاحياتها في المضيق وكأنما يقول لهم «أريحوا أنفسكم» ليخفت الصوت الأميركي متمتماً «لن نؤدي مهام الشرطي في مضيق هرمز لحماية سفن الدول الغنية مثل الصين والسعودية واليابان»، بحسب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، متمرداً على رغبات عدد كبير من «الرؤوس الساخنة» في إدارته والتي تريد حل المشكلة مع إيران عسكرياً.. فترامب يريد كأسلافه إغناء رئاسته الحالية بالإنجازات وكذلك نقل الكثير من الملفات العالقة نحو الإدارة الجديدة. فكيف إذا كانت إدارته هي التي ستتبوأ البيت الأبيض مرة أخرى.. فحصد الأصوات يتطلّب من الرئيس الأميركي التهدئة وكذلك التصعيد بحسب ما يخدم حملته الانتخابية ومرحلته الراهنة..
ويبقى الحال على ما هو عليه. فالإيراني لن يرضخ لسياسة العصا والجزرة وهو المعتاد على الحياكة بأدق الخيوط والبريطاني الآن في خضم الصراع للطلاق الأوروبي وسط ملفات كثيرة تبرز كاختبارات قاسية لجونسون في رئاسته الجديدة.. فيما البيت الأوروبي وتحديداً بأبيه الألماني والفرنسي سينظران لمصلحة مشتركة عمودها اقتصادي بحت لتعويض الخسائر التي لحقت به من جرّاء الانجرار وراء السياسة الأميركية المصلحيّة..
ويبقى الرابح في المرحلة الراهنة هو الإيراني وما دعت إلى اجتماع طارئ يوم الأحد المقبل، إلا لرفع سقف المطالب الهادفة «إما.. أو»، إما البقاء في الاتفاق النووي وفق مصالح شعبها أو الإنسحاب «ويا دار ما دخلك شر».
إنما الشر المطلق سيكون انفجار الأزمة وهو ما لا تريده كل من الصين وروسيا وفي العمق أميركا وأوروبا وستكون ورقة الضغط التي استخدمها الأميركي «الأمن المائي» هي ذاتها ورقة الخضوع الأميركي لمصلحته قبل كل شيء.. فهو لن يقدم الحماية مجاناً والخزينة الأميركية مهيأة لاستقبال المزيد من الأموال بحجة «الحماية» وهو ما يرغب به رجل الاستثمارات الأميركي..