ولادة السنافر وشرشبيل
ما من تجربة حياة محض فردية، تجاربنا متشابكة بشكل ما مع الآخرين. هذا ما يجعل منها عامة، ويجعل من كل تجربة شخصية تجربة جمعية…
يبدو أنّ قُفّة الصبر تسمح دائماً بحمل المزيد، تسمح بذلك مهما أنهك يديك الوجع ومهما كثرت عليك مقالب الحياة.
أبصر السنافر وعدوّهم اللدود شرشبيل النوّر في عام 1958، لم تكن طريق ولادتهم معبّدة بالورود وإنّما كان الأمر أشبه بولادة قيصريّة.
في أحد الأيام استيقظ «بيير كوليفورد» يُمنّي نفسه أن ينجح في مقابلة العمل ويحصل على وظيفة مساعد طبيب أسنان، تناول فطوره، ولبس أجمل ثيابه واستعدّ للخروج ولكنّه لم يجد محفظته! بحث عنها دون جدوى، وبدأ الوقت يمرّ سريعاً والإحباط يتسلل إلى بيير، تملكته الحيرة والآن ما الحل! هل يبحث أكثر عن المحفظة فتفوته المقابلة؟ أم يذهب دون إثبات لشخصيته أو حتّى وجود إيصال يثبت أنّه تقدّم للوظيفة فعلاً؟ وأخيراً ذهب للقاء دون إثبات، ولكنّه وصل متأخراً. فقالوا له: لو كنت مهتماً بالوظيفة لحضرت باكراً، نعتذر لك لا مكان لك عندنا!
عاد إلى بيته يجرّ أذيال الخيبة، واضطرّ أن يقبل بوظيفة عرضت عليه وهي مدرّب في استديو رسم، وفي استديو الرسم وجد بيير نفسه، بدأ يرسم قصصاً للأطفال تحت اسم مستعار وهو بييو فانتشرت رسومه وأحبّها الأطفال، ولكنّ اللحظة الفارقة في حياة بيير كانت عندما اخترع السنافر، فحققت هذه الشخصيات الزرقاء الصغيرة نجاحاً رهيباً، ثمّ انتقلت من عالم المجلة إلى عالم التلفاز، وحقّق بيير من ورائها ثروة ضخمة!
ما أكسل مَن يعتقد أنه نصف موهوب، فبينما هو مشغول ببخس قيمة موهبة ربّانية، تناسى أن يحكم على صفة جوهرية في نفسه، وهي الكسل في التنقيب عن جواهر موهبته بثقلها بالتعلم!
ربما لو وجد بيير محفظته في ذلك اليوم لكان قُبل في وظيفة مساعد طبيب أسنان ومات دون أن يسمع به أحد!
ولكنّ الحياة والحكم الربانية تغلق نافذة هنا، فتفتح نافذة هناك.
من الممكن أن نقتل إنساناً دون أن نطلق عليه رصاصة، نحن نموت أو نعيش من الداخل أولاً…
صباح برجس العلي