الفنان التشكيليّ ماجد الصابوني… متفرّد باللون والمدرسة والنظرة الفنّية المتعمّقة
لورا محمود
قال عنه الدكتور محمد فاتح المدرس إنه طفل عملاق يرى أبعد مما يراه زملاؤه فعقله يتقبّل الأمواج الجماليّة الجديدة بتصرّف طبيعي مع اللوحة. فألوانه كانت احتراقاً صامتاً لذاته فهو يحترق أمام اللوحة ويبتسم ابتسامة طفل، يبدوعميقاً في بحثه عن كيف يتحرّك الشكل مجرّداً من كل المناخات فثبت بعناد وتصميم أمام مضايقات الأشكال التجريدية، وأتى بالتجريد كمادة نفسيّة ذات قيم تشكيليّة صحيحة. فالشكل عنده ليس موضوعاً، فالموضوع يتخذّ أشكالاً فحسب.
فنان يبتسم أمام الصعب إلّا أن أعماله لا تبتسم كثيراً، هو الفنان التشكيلي ماجد الصابوني الذي أقيم معرضه في المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق.
«البناء» التقت مع الفنان ماجد الصابوني وكان لها حديث خاص معه حول اللوحة ودهاليزها. ننقل إليكم تفاصيل اللقاء في ما يلي.
يقول في لوحة: اللوحة تسيطر عليّ، إلا عندما أقوم بدراسة أكاديمية للعمل من حيث وضع أشكال محدّدة لها، هنا أكون قادراً ومتمكّناً من تخيّل شكلها، لكن عندما أبدأ بالشكل الحرّ في الأسلوب التجريدي هنا لا أتخيّل كيف ستكون في النهاية، فمثلاً أستخدم بداية مجموعة ألوان ومن ثم أغيّرها لأجد نفسي قد اخترت مجموعة ألوان أخرى، وكما يُقال «ليس الفنّ فكرة، بل هو عمل» والمقصود به بأن اللوحات لا تأتي كما يكون مقرّراً في الخيال. فالأمور كلّها متتابعة سواء في المساحات أو الألوان وحتى في التكوينات والانفعالات والأحاسيس. فهي تأتي أثناء العمل.
وعن الانطباع الأول الذي يأخذه المشاهد عن اللوحة التي تبدو لوهلة بسيطة وبعد التأمّل بها يجدها تحتاج إلى االتفكير والتدقيق أشار الصابوني إلى أن عند النظر للوحة يجب أن لا نُحمّلها أكثر مما تحتمل، فإذا كانت الألوان منسجمة والمساحات متوازنة، فهذا يعني أن العمل جيد، لكن إذا حملت اللوحة الكثير من المضامين سواء الاجتماعية أو السياسية، فهذا يعني بأنني لا أنجز لوحة، لأنني إذا أردت أن أبلغ هذا العمق فسأستخدم الكلمة والشعر فهما يمنحاني العمق والإمكانية، بمعنى أنّ فنّ التصوير أي الرسم لا يُعبّرعنه بالفكر لكونه فنّاً مُشاهَداً، وعند رؤيته يجب أن يصل المتلقي إلى الدهشة والإعجاب، خصوصاً أن الأمر الأخير يصل للجمهور بشكل مباشر.
وتابع الصابوني: أنا مطّلع على الفنّ الحديث بكل مدارسه، ولا أعتمد مدرسة معنية أو مذهباً بحدّ ذاته. بمعنى أنا أرسم ما يناسبني لكونه نابعاً من داخلي، فالأسلوب يأتي من العمق ولا يجب على الفنان أن يبحث عن المدرسة التي عليه اتباعها، فأنا أرسم اللوحة ولا تنتهي إلا عندما أشعر بأنني أنجزت حقاً ما يعبّر عن دواخلي.
وتحدّث الصابوني عن أثر الأزمة على فنّه التشكيليّ قائلاً: في السنوات الماضية أنجزت العديد من الأعمال، ولكنها ليست من ضمن الأعمال المعروضة اليوم، فهي تحمل الكثير من الشخوص الذاهبة والتائهة في سيرها تحت سماوات سوداء. وهذا الموضوع للأمانة كنتُ قد عرضته في أحد المعارض، ولكنها لم تلقَ الإعجاب، ربما المشاهد أصبح يتّجه إلى الألوان الزاهيّة والدافئة ويبتعد عن الرماديّات وما جرى عرضه اليوم كما ذكرت ليس من اللوحات التي رسمتها في فترة الأزمة السورية، بل تعود للعديد من المراحل واختيرت اللوحات من بين خمس وسبعين لوحة.
وعن طموح الفنان الذي يتوق إليه دائماً قال الصابوني: أنا لديّ طموح أن أقوم بتوسيع مرسمي، بحيث أرسم براحتي ولا أشعر نفسي مقيّداً بالمساحة الضيّقة الحالية، فأنا أعتبر أنه إنجاز من الفنان التشكيليّ السوري في تقديمه للوحات بشكل دائم وهو محصور بغرفة ضيقة، لذا أتمنى أن تتحسّن الأمور المادية، كي أحقق هذه الغاية.
أما بالنسبة للمشهد الثقافي ومتابعتة للحركة التشكيليّة تحدّث الصابوني عن بداية عمله التشكيلي في محافظته حماه، حيث كان يعرض اللوحات في المدارس، حينها كان الزوّار تفوق أعدادهم الحضور الحالي، والكثير منهم كانوا من الفئة الشابة أما في اليوم فلا توجد متابعة، خصوصاً من الجمهور غير المختص، وبرأيه يعود ذلك إلى سببين، الأول الاهتمام بتحصيل لقمة العيش، والثاني تراجع الثقافة وانتشار المفاهيم المغلوطة لشهرة الفنانين الصاعدة دون أسس منطقية أو ركيزة فنية متينة، هذا عدا عن التكرار الواضح في أسلوب الفنانين وانغلاقهم ضمن دائرة محكمة.
وأخيراً وجّه الصابوني رسالة إلى الفنانين الشباب بأن يواصلوا البحث ويستمروا به لتنويع أعمالهم الفنّية، ويجتهدوا كي يقدّموا دائماً ما هو مبدع وحديث وليس فيه أي تكرار.
الأخرس
وتحدّث رئيس مجلس الإدارة في المركز الوطني للفنون البصرية الدكتور غياث الأخرس قائلاً: النظر أمام هذه البانوراما المتنوّعة من الأشكال ومهما اختلفت المواضيع يجد المشاهد نفسه أمام مجموعة ألوان تحمل جوّ البيئة، ولكن بحداثة مميّزة ومتنوّعة وفي جميع مراحله يحمل شيئاً خاصاً به عن الحداثة المتزنة والمكوّنة بقوة والمنسجمة بألوانها. وتبقى روح مدينة الفنان ماجد الصابوني حماه حاضرة بقوة في اللاوعي الموجود لدى الفنان.
وتابع الأخرس: كم هو غريب ولافت للنظر بين أعقد لوحة تكويناً وتلويناً حتى أصغر لوحة «مونوتيب» تحمل الانتقال من تراكم الأشكال إلى روحانية الفضاء. فاللون الأزرق غالباً لون صعب لا يتعايش مع أي لون آخر، لكن الفنان ماجد الصابوني عرف دائماً كيف يوازنه بلمسات لونيّة منسجمة بالكاد تُظهر نفسها، ففي أعماله لا نبحث عن الموضوع الشكل واللون والمعجون فهو اللوحة والموضوع بآن واحد. وبالكاد حضورها يعلن عن نفسه قوي في أصالة تكويناته وفي نسيجه اللوني وقويّ في العلاقة بين لوحته التجريدية وبين لوحته عن الطبيعة.
شاهين
وبدوره قال الدكتور محمود شاهين لـ»البناء»: إن المتابع لتجربة الفنان ماجد الصابوني لا بدّ أن تدهشه تحوّلاتها المستوعبة لكلّ ما أفرزه التشكيل العالمي من اتجاهات وأساليب وصيغ فنّية حديثة ومعاصرة. فهو منذ غادر محترفات قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق مطلع السبعينيات من القرن الماضي وحتى اليوم يصول ويجول في أقاليم ومنعرجات ودروب هذا الفنّ بشهيّة مفتوحة على البحث والتجريب في كلّ ما يتعلّق بحمولات المنجز التصويري بدءاً من وسائط بنائه الخطّ والرسم واللون والمضمون وانتهاءً بالأسلوب والطريقة التي يستخدمها في عملية البناء هذه، أي الصياغة التي يعالج فيها نصّه البصري والتكوين الذي يختاره لها اعتماداً على موهبته والخبرة التي اكتسبها من الممارسة العمليّة المبكّرة للفنّ ولاحقاً من الدراسة الأكاديمية ومن المتابعة الدؤوبة لإنتاج اللوحة المسندية المتعددة الصيغ والمضامين وهو ما جعل من شواغل هذه اللوحة حاملة حقيقية للقيم المعرفيّة والفنّية والتقنية التي جمعها الصابوني خلال مسيرته الفنية الطويلة وراكمها وطوّرها باقتدار من لوحة إلى أخرى مدفوعاً بجملة من الهواجس، منها تعمّده الابتعاد عن البهرجة والتزيين والتسجيلية الجامدة وإصراره على تمتين العلاقة مع حداثة فنية عالمية اشتغل عليها باجتهاد كبير ومقدرة لافتة جمع فيها ببراعة بين صرامة العقل وتلقائية الإحساس، الأمر الذي جعل من حمولات نصّه البصري المشخصة والمجرّدة تعيش حالة عالية من التوافق والانسجام شكلاً ومضموناً قائمين على نظام دقيق وجميل وتناسب متقنّ وجيد أفضى الى تكوينات فنّية محكمة في معمارها متفرّدة في خصوصيتها. وهذه الخصائص والمقوّمات مجتمعة جعلت لوحته لا تكتفي بمشاغلة بصر المتلقي وإنما إثارة بصيرته أيضاً.
يذكر أن الفنان ماجد عبد القادر الصابوني من مواليد حماه عام 1944. حاصل على إجازة من كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق لديه العديد من المشاركات ضمن فعاليات متعددة في حماه ودمشق.