هل ينجح أبو فاعور؟
فهد الباشا
مُتسلّحاً بالعزم والحسم، وبالدعم من وليد بك، يمضي أبو فاعور، في مهمّته، مُجاهداً بهمّةٍ عالية، لا تأخذه عزّة بمديح، ولا يخيفه فحيح، لا يعيقه نقيق من هنا، أو نعيق من هناك، والأهمّ أنه، على ما يُبدي، غير هيّابٍ حساباً، هنا، أو في «يوم الحساب».
ومع ذلك، يبقى السؤال مُشرّعاً: هل ينجح أبو فاعور.
ليس السؤال، هنا، من باب «التمريك» الاستعلائي السخيف، ولا هو من باب التشكيك، لا سمح الله، والرجاءُ الصالحُ بعباده الصالحين.
إنّه الحرص على ألا يصطدم الرجل المندفع، وفي الدرب عتمة، بمطباتٍ عالية، أو بحفر «إخوان»… الليل طويل، والدرب طويل، ولا ضوء إلا المنبعث من أحداث الذئاب، على ما يؤكد الصديق أحمد حافظ.
ومع ذلك، يُسَجَّلُ للوزير الرضيّ الجريء أنّ قاطرته، رغم همزٍ وغمزٍ ورغم كبوةٍ هنا، وهفوة هناك، تواصل انطلاقتها بزخم لافتٍ، ما جعل مُتردّدين، سابقاً، مُردّدين كلاماً مُشتبهاً فيه، يستدركون، فيأتون بمقطوراتهم، متداركين، منضّمين إلى أبو فاعور قبل أن يفوتهم القطار. وفي السعي إلى الإجابة عن السؤال أعلاه، واضح أنّ ما أتاه أبو فاعور، حتى الآن، قد جعل لاسمه وقعاً، في الآذان ورنيناً، حتى صار واحدنا إذا غصّ بلقمة أو أحسّ بمغص في الأمعاء، أو صادفته على الطريق شاحنة تنقل قوارير الماء، صار يتمثل له أبو فاعور ناطوراً حاضراً ناضراً، يُذكّر القدامى منا، بأغنية قديمة لوديع الصافي، عن الناطور الذي طالما حمى الكروم من «عنزات بوطنوس» وشيطنة «جداياه»… يومها كان الناطور يردع الرعيان فترتدع المعزى وسائر المواشي والكلاب الداشرة… والناس، من شوقهم إلى الناطور، من حرصهم على نجاح أبو فاعور، من كونهم ملدوغين غير مرة من غير جحر في مقص المافيات والمصالح. من هنا سؤال الغيارى: هل ينجح أبو فاعور؟
العارفون بسيرة الرجل يُؤكّدون أنه طالما واجه غير امتحانٍ، في غير ساحٍ، وختم بنجاح، والأوْلى، يقولون، أن يكون السؤال: هل ينتصر أبو فاعور؟ ذلك لأنّ الرجل يخوض معركة ضارية، على جبهتها المقابلة رُماة متمرّسون دُهاة، ولهم، في السياسة حماة… وإذا لزم الأمر، فإنّ لبعضهم حراساً من «عساكر السما»، ومن شياطين جهنم…
فهل يقوى وزير، ولو جريئاً، على هؤلاء؟
في استعراضٍ للمشهد، تمرّ بنا صور للّذين ساءت نيّاتهم، فضحّوا وألحّوا على أنّ النتيجة المتوقّعة، أو التي يتمنّون، لا تختلف عمّا كان انتهى إليه أصحاب محاولات مشابهة: خيبة للناس، وصورة غير التي استحبّ المحاولون أن يراهم عليها الناس.
ولا بأس، في هذا السياق، أن نقيس، نحن، حاضراً على ماضٍ، فنتذكر أنه، لاثنتين وأربعين سنة خلت، خالف سلفٌ صالحٌ، وزيرُ صحة اسمه إميل بيطار، «الشريعة والناموس»، فانتهت به الحال إلى أنه استقال قبل «أن يفرموه فرماً»، لأنه تجرأ على ما عُرِف يومها بمافيا تجار الدواء، ولأنه حاول أن يترجم في عمله شعاراً رفعه دليل الطريق: «لا يجوز أن يكون الدواء أشدّ مرارة من المرض». وكان الذي كان… رحل إميل بيطار ليبقى لنا من هاتيك الأيام ذكرى عطرة لوزير آدمي… ولتبقى رحمات نستمطرها على روحه، ودعاء بطول عمر المسؤولين الأوادم رحمةً بالعباد وبسمعة البلاد…
وبعد، هل ينتصر أبو فاعور حيث هُزم بيطار؟
الواضحُ، حتى الآن، أنّ وزير الصحة «الاشتراكي» نجح وهو في بداية طريقه إلى الأمن الغذائي، في قلب الطاولة على رؤوسٍ كبيرة وصغيرة، رؤوسٍ ما همّ أبو فاعور أن تكون أينعت وحان قطافها… فما هو بـ«داعشي» ولا حجّاج يهوى قطاف الرؤوس. حسبه أنّ الآية قد انقلبت، معه، لتصبح على الصيغة التي يستحبها الناس: حاميها يتصدّى لحراميها، وللعابثين فيها… أما عن النصر المنشود، فيحضرنا، ونحن نقارب الجواب، من مقابلات الوزير، المالئ الشاشات والشاغل الناس: متضرّرين من فساد وإهمال أم مرتجين الخلاص، يحضرنا تنويه بوليد جنبلاط. الذي «لولاه لكانوا فرموني فرماً» على ما صرّح أبو فاعور… ونفهم، من ذلك، أنها الحاجة إلى مزيد من الدعم والإسناد، يبعث بها وزير الصحة رسالة مرمّزة بالتنويه… فالمعركة ضارية. وإن ينصركم البيك فلا غالب لكم… هو الواقع هكذا: مريراً إلى حدّ يذكّر بصرخة ألم للمتنبي أستعيد نصفها المحمول: «ما كنت أحسبني أحيا إلى زمنٍ»… يشبهه هذا الزمنُ الذي يستجير فيه وزير، لتطبيق القانون، لا بالقانون وحده، بل بزعيم حدّه.
منذ اثنتين وأربعين سنة هزم آل الفساد في البلاد الوزير إميل بيطار، لأنه كان بلا سندٍ من زعامة… بعد اثنتين وأربعين سنة ينتصر له، ويثأر للوطن وائل أبو فاعور.
ألا ينجح أبو فاعور؟ بلى. أمّا النصر فلا يتأكّد إلا مؤزّراً: إلاّ إذا تحوّلت هذه الطريقة، في الحكم، إلى طريقٍ.. إلى نهج ينهجه سائر الوزراء، اليوم وفي الحكومات الآتية، متى أتت، فيتحولون من «أصحاب معالي» إلى نواطير، يدرأ كلٌ عن حقوله شرّ الطروش الداشرة…
أبو فاعور، وحتّى نلتقيك وسواك مع موعد النصر هناك، دُم للحقّ مُعافىً… والله يحميك مرتين: مرةً من شر حاسدٍ إذا حسد. ومرةً من كواسر هذا البلد.