استراتيجية التراجع الى الأمام!
فاديا مطر
لم تجلب سياسة الحروب بالوكالة أو الأصالة للسياسة الغربية والدول التي في فلكها سوى فقدانها الهيبة والعجز عن قيادة التسويات بعد المواجهات، وهو ما جعل مسرح الأحداث السياسية والعسكرية قيد التغيرات الحاصلة على كلّ الساحات التي أشعلتها واشنطن ومحورها في المنطقة، برغم ما يتموضع في قلب هذه التسويات من إصرار على جعل مكتسبات هذه الحروب الباقية كأوراق تدوير لأيّ تسوية قد تحصل، فمن الميدان السوري عادت إدلب الى واجهة المواجهة بعد انتهاك مقررات سوتشي من قبل تركيا ومجموعاتها الإرهابية التي تتحضّر لنتيجة ميدانية وسياسية تشابه معركة حلب في خواتيمها وطريقة تطبيقها، وهي بذلك لن تستطيع تفادي وقف لإطلاق النار من جانب الجيش السوري وحلفائه بعد سيطرته الكاملة على قرية الهبيط الإستراتيجية ومزارعها المحيطة وتولي الطيران السوري والروسي المشترك دكّ معاقل النصرة في خان شيخون وفتح طريق قرية سكيك ومزارعها التي تطلّ على مرتفعات استراتيجية تفقد النصرة قدرة المناورة والسيطرة وحتى استمرار الدعم اللوجستي.
وفي حال أبقت على أوكار مواجهة فهي قد تخسرها خلف خطوط التقدّم السوري، فالانشغال التركي بمنطقة إدلب أرخى بظلاله على توسيع عملية أنقرة في شرق الفرات بعد الاتفاق المبهم لما تسمّيه «المنطقة الآمنة» مع واشنطن والتي تسير خطواتها بممشى اتفاق منبج بعد الإبقاء على 400 جندي في مناطق «قسد»، والتي صرّحت أنّ أيّ عملية تركية في شرق الفرات ستكون غير مقبولة، فالأخيرة التي قامت بتسليم قيادات غربية من تنظيم داعش للدول التي أتوا منها لن تسمح باستهداف ميلشيات «قسد» التي تتغطى بها لحجة فرار عناصر داعش التي بحوزة تنظيم «قسد» من مخلفات عملية الباغوز في شرق دير الزور وعودتهم الى معاقل التنظيم المتبقية في الجيب العراقي والتركي الشرقي، وهو ما ينمّ عن ضغط أميركي على تركيا للتورّط أكثر في عملية إدلب لتقع تحت إما مواجهة مع الجيش السوري وحلفائه، أو القبول بفقدان تنظيماتها الإرهابية وخسارة أوراق سوتشي التي تخطت الطاولة السياسية…
في الحالتين هي غير قادرة على قيادة تسويات في إدلب إذا ما تحركت العملية السورية باتجاه الحسم العسكري. الشامل، فتركيا غير قادرة على السيطرة العسكرية في منطقة قالت فيها موسكو إنها يجب أن تكون تحت سيطرة الدولة السورية، فهو ميدان لم تعد تملك فيه أنقرة سوى الوعيد والتهديد لتدارك الفشل، وهو مؤثر دراماتيكي بالنسبة لواشنطن المتمركزة في التنف وشرق الفرات والعاملة على قطع طريق المنطقة الجنوبية السورية مع العراق وطهران، وهذا بدوره ستدور تداعياته في مرحلة ما بعد إدلب ليكون أوراق ميدان متأخر في تسوياته عن خروج للقوات الأميركية وتموضع ورقة تنظيم «قسد» في مرحلة ما بعد الخروج الأميركي، فهو تراجع أميركي إلى الأمام إزاء تطوّرات تتبع ما ينتظر الميدان اليمني والخليجي من مرحلة تصفية الحسابات بدأت أجنداتها تتضارب في عمق معارك عدن والتنسيق الخليجي مع طهران في كيفية تخطي مرحلة الحرب التي حملت توازناً عسكرياً تكتيكياً وإستراتيجياً عمدت خطاه القوة الجوية للجيش اليمني وأنصار الله وترافقه الدعوة من أنصار الله لمرحلة سياسية لا تشمل ميلشيات منصور هادي السعودية والإماراتية التي ستكون آخر الأوراق المحترقة كما احترقت ورقة داعش والنصرة في قدرة جعلها قوة سياسبة تشارك أيّ عملية تسوية في سورية ولبنان والعراق…
وواشنطن التي فشلت في تمكين فرض حماية عسكرية في مياه الخليج، وتقييد التطور التسليحي الصاروخي لروسيا في شرق أوروبا وشرق آسيا، والتي فشلت في فرض قواعدها في منطقة بحر اليابان والمياه الصينية، والباحثة عن حلول مع تركيا في مياه قبرص التركية، والفاقدة لقدرة دعم براغماتية في المياه النفطية في لبنان بحكم توازن القوة الذي فرضته المقاومة اللبنانية، تبحث عن حلول في ما تبقى من مدة انتخابية لولاية ترامب تريح الملف الداخلي للبيت الأبيض الذي تنتظره معارك سياسية مع الحزب الديمقراطي الذي يجمع ملفات تدين إدارة ترامب على المستويين الداخلي والخارجي، بالإضافة للخشية «الإسرائيلية» من مغبة تراجع قدرة واشنطن عن فرض الهيبة العسكرية وبيعها أوراق الحلفاء في بازارات السياسية الإقليمية، عوضاً عن خشية داخلية إسرائيلية من أيّ حرب في الحدود الشمالية أو الشرقية لا تستطيع تل أبيب تحمّل تبعاتها على المستوى العسكري والشعبي والسياسي الذي يترنّح تحت ضعف رئيس حكومة العدو نتنياهو في تشكيل التحالف الوزاري المطلوب لمرحلة تسابق أيّ تطور عسكري في الخليج قد تشعله خطوات المستشار بولتون في الزجّ بقوات عسكرية إسرائيلية في تحالف خلّبي لا يلبّي أمن السوق العالمية للطاقة على وقع المرحلة الثالثة من فكّ بنود الاتفاق النووي مع طهران، والتي فشلت السياسة الغربية في الخروج عنها بترضية تقع ما بين المحافظة على بنوده مع إيران والتماهي مع السياسة الأميركية التي أفشلته، فالحزم الإيراني في حرب الناقلات والمعابر هو قوة مضافة لمراحل تقدّم طهران بالتزوّد بالوقود النووي ما فوق 20 وتخزين الماء الثقيل لأكثر من 300 كلغ والبدء بتشغيل مفاعل آراك النووي تمهيداً لمرحلة مقبلة قد تسارع فيها واشنطن خطواتها التراجعية الى الأمام من باب أن تصل متأخراً خيراً من ألا تصل…
جواب المرحلة المقبلة رهن بمفرزات إدلب وعدن والتراجع الغربي في فرض معادلة سيطرة القوة في الإقليم، وتحكم مقتضايته الأيام المقبلة من نتائج ميادين الاشتباك ومعادلاتها الجديدة.