إسرائيل في الخليج: نزع الهوية الوطنيّة العربيّة والإسلاميّة
د. رائد المصري
بهدوء… فلم يكن بالإمكان أفضل ممّا كان بما يخصّ لقاء بعبدا التصالحي بين القوى الطائفية المحتكمة لمنطق القتل وشريعة الغاب والاستحضار الدائم لقوى الخارج والإفساح في المجال للتدخّلات السافرة في الشؤون الداخلية لبلد يفترض أنّه سيّد حرّ ومستقلّ في قراره السياسي، لكن الوقائع تقول عكس ذلك، فلا شأن لنا بمسيرة الدولة المهترئة التي حكمها هؤلاء الساسة الفئويون المخرّبون الذين عبثوا بمقدّرات الدولة وأفلسوها منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً وأكثر، ليتمّ تبرير المصالحة وتبويس اللّحى إرضاءً لشيخ العشيرة واستكمالاً لمسيرة القضاء وتنفيذ القانون، ورغم أنّ هذه القوى التخريبية هي التي جرّت لبنان واللّبنانيين الى هذا الخراب تفرض علينا القبول بتسويات مشوّهة ربطاً بواقع البلد المالي والاقتصادي منعاً لانزلاق الجمهورية، فعليك تقبّل الإهانة في كرامتك ووجودك وعليك القبول بالتسوية عنوةً منعاً للعبث بالاستقرار الأمني والمالي والنقدي، إنه منطق حكم العشيرة والقبيلة ليس أكثر، بدليل أن تنازل جنبلاط خلال المصالحة جاء بعد حصوله على ضمانات من رئيس مجلس النوّاب، ألاّ تكون التحقيقات والمحاكمات المعتمدة من جانب المحكمة العسكريّة في قضيّة أحداث قبرشمون والبساتين موجّهة مسبقًا للنيل من الحزب التقدمي الإشتراكي وألاّ تأتي على حسابه الشخصي أو على حساب أيّ نائب أو مسؤول من الحزب الاشتراكي، أيّ أن تطال المتورّطين من أبناء الطبقات الفقيرة المتحمّسين لزعيمهم الطائفي والمقتتلين لأجله. فهذا هو المنطق اللّبناني السائد الموتور والعصبية العمياء التي يعرف أصحابها طريق الخراب ويسيرون فيه بكلّ جوارحهم وبعقول مفتوحة… إنها مأساة الشعوب العربية وشعب لبنان العظيم بزعاماته القبلية الذي فقد هويته الوطنية واحتكم الى سفارات الغرب وأوامره وإلى منطق اللادولة…
وفي المقلب العربي الآخر بما يتعلّق بأمن الخليج والصراع الأميركي الإيراني، فقد تكشّفت المفاصل الخطيرة للأحداث بعد أن تناتش الضّباع على طريدة الصّيد وفقدوا السيطرة في ميدان اليمن، فلجأوا الى محاولة التقسيم كآخر داء والانتقال الى مرحلة الاقتتال الداخلي الفئوي والمناطقي وتعزيز الانقسام الحادّ منعاً واستبعاداً لأيّ حلول قريبة تريح شعب اليمن وترأف بواقع ناسه التي دخلت وشارفت مرحلة الهلاك والجوع والمرض والأوبئة، فيما يحجّ المسلمون بالملايين الى مكّة وبيت الله الحرام متضرّعين متوسّلين بمحو «إسرائيل» وشرّها المطلق أميركا التي يدنّس يهودها القدس والأقصى وجوامعها بالتوازي مع قيامة شعائر حجّاج المسلمين إلى مكّة فلا إدانة ولا ردود فعل حول ارتكابات الصهاينة، فإلامَ تحجّون يا عرب… إنه منطق الهزيمة التاريخية المتراكمة منذ مئات السنين ولا شيء سيشفع لكم ولما ارتكبته وترتكبه أياديكم…
يقول قادة الكيان الصهيوني الغاصب بأنّهم سيشاركون في أمن الملاحة في الخليج ومضيق هرمز، فـ «إسرائيل» ضاقت عليها سبل الحياة بعد تطويقها بقوى المقاومة التي باتت في لبنان وسورية وغزة وبدعم إيراني واضح، تريد من خلال هذه المشاركة الذهاب صوب الخليج وتأليب القوى الدولية وإثارة الفتن والنعرات لتوريط الغرب المجنون بحرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولم يتحدّث العرب وأغلب المسلمين عن هذه الخطوة التي تعبث بأمنهم القومي وبالاستباحة الصهيونية لمجالهم الحيوي في بحارهم، وصدّعوا رؤوس العالم في ما مضى عن تدخّلات إيران ونفوذها وخطرها على الأمن العربي… إنها مأساة النّظم الرسمية العربية ونواطير النفط والكاز في ظلّ انهزام الوكيل الأصلي الأميركي الذي لم يعد يملك إلاّ سلاح العقوبات الآيل للسقوط والحامي لمشاريعهم، فيما هم لا زالوا يبحثون عمّا يحفظ لهم ماء وجههم بتحقيق إنجاز عسكري ولو بسيط على شعب اليمن وحضارة اليمن ليفقدوه هويته العربية والقومية والإسلامية… فأمن الملاحة في الخليج ليس إلاّ واجهة لاستعمار أميركي جديد يريد إعادة تشكيل المنطقة العربية بما يدعم نفوذه الأحادي للسيطرة من جديد على العالم أو على الأقلّ يمنع من تراجعه… إنها مرحلة نزع الهوية لشعوب عانت ولا تزال من هزيمة حضارية تسبّبوا بها لأنفسهم وناموا…
أستاذ في العلوم السياسية والعلاقات الدولية