ماذا جرى بين خامنئي وأوباما في دهاليز مسقط وفيينا…؟

محمد صادق الحسيني

في مسقط التي حاولت وللمرة الخامسة ردم الهوة الشاسعة والعميقة بين عاصمة الاستكبار العالمي وعاصمة المستضعفين بهت الذي كفر عندما تفاجأ انه يفاوض فريقاً يتكلم لأول مرة بلغة قاسم سليماني وحلفائه من بوابات الشام إلى باب المندب أي لغة القرآن وليس لغة الانكليز.

في مسقط التي لم يأت إليها الأميركي في المرة الأولى إلا بضمانة خطية من السلطان قابوس مشككاً في نوايا الإيرانيين التفاوضية، أتى إليها هذه المرة طائعاً مذعناً بتوازن الردع الحاصل مع طهران متوسلاً العمانيين منع إعلان الفشل فقط لأن تحقيق النجاح بات مستحيلاً.

في مسقط حاول جهده تقديم إغراءات كثيرة للإيرانيين مسلماً لهم بقيادة المنطقة وأمن البحار واليد العليا على حليفه السعودي وتعليق الحظر الاقتصادي ورفع العقوبات على مراحل وإطلاق يد الإيراني في الحوض الخليجي جنوباً.

في مسقط التي أسدلت الستار على رهان: «إن أي اتفاق مهما كان سيئاً أحسن من اللا اتفاق «كما كان يروج بعض المرجفين في المدينة.

جاء دور العاصمة النمسوية فيينا لتهرع إليها الدول الكبرى على عجل تلتمس طريقاً لفتح كوة ولو ضيقة في كوريدور المفاوضات النووية الماراتونية.

الكوريدور الذي كان ضاق كثيراً حتى كاد يغلق نهائياً في مسقط بعد أن نجح اللاعب الإيراني أن يقول «كش ملك» لأوباما برفضه القاطع للشروط الأميركية.

الأميركي المتهافت على إبقاء هذا الكوريدور مفتوحاً حتى الاستحقاق الرئاسي عام 2016 بأي ثمن كان استنجد بالشريك الروسي اللدود مرغماً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في اللعبة الداخلية الأميركية بين الديمقراطيين والجمهوريين.

التقط الإيراني الإشارة وقرر إعارة القيصر الروسي هذه الورقة الرابحة تكتيكياً فكانت محادثات روحاني – بوتين الهاتفية على عجل لهذا الغرض وطار لافروف إلى العاصمة النمسوية حاملاً تفويض التمديد الإيراني.

كان الإيراني واضحاً جداً: لا تخفيض لسقف الخطوط الحمراء مهما كان حجم الضغوط وأسماء الوسطاء ولا استمرار للتفاوض من أجل التفاوض فحسب ولا مجال لمناقشة أي ملف من خارج جعبة النووي.

هذا يعني: كل العقوبات الأميركية الأحادية والجماعية وتلك الصادرة من مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي يجب أن تلغى فوراً وإلا لا اتفاق.

هذا يعني: لن نعطيكم ورقة التمديد إلا لمرة واحدة وأخيرة وكرمى لعيون الروس لإتمام الحجة على الأميركي المراوغ فقط لا غير.

هذا يعني: المنظومة الصاروخية الإيرانية وتسليح المقاومات وفي مقدمها حزب الله والضفة وغزة، ودعم سورية الأسد خطوط حمراء لا ولن تقبل التفاوض.

هذا ما أبلغته القيادة الإيرانية العليا للفريق المفاوض وللعدو الهلوع وللصديق المترقب وللحليف المتلهف لسماع صافرة الحكم.

وهكذ أسقطت كل أوراق التوت عن أوباما وفشلت كل محاولاته ونتن ياهو لحشر إيران في الزاوية الحرجة، وعادوا من عرس مسقط وفيينا بخفي حنين.

وهذا يعني: إن الهجوم الاستراتيجي الأميركي على الإيرانيين من بوابة النووي والذي وظفت فيه واشنطن كل تكتيكات لعبة الشطرنج الدولية فشل فشلاً ذريعاً.

وسبب الفشل أن أميركا ذات العمر التاريخي القصير تجهل أن إيران سبق لها أن فككت رموز هذه اللعبة الهندية الإيرانية قبل قرون – زمن بوذر جمهر-.

وإنها واجهت يومها سفير الإمبراطور الهندي بلعبة النرد الإيرانية جاعلة إياه يخرج مصعوقاً ومنبهراً مرتين.

ان فشل هذه الهجمة الاستراتيجية الغربية الشاملة على ايران سرعان ما افرز ما يلي :

الإطاحة باستراتيجية أوباما المضطربة والمتخبطة للهجوم الشامل على محور المقاومة من خلال كذبة حلف بغداد الجديد التحالف الدولي ضد داعش .

الإطاحة بحربه الناعمة ضد الداخل الإيراني – استقطابة حكومة قيادة – فينقلب السحر على الساحر ما يضطره لتجرع كأس السم الخامسة وتدافع تداعياتها الأولى المتمثلة بإخراج كيري مبكراً من سباق الرئاسة مع خصمه الجمهوري لعام 2016، والإطاحة بالجنرال هيغل نقداً، وفك عرى لحمة فريق الإدارة الأميركية لما تبقى من عمرها في البيت الأبيض.

هذا الفشل الأميركي الفاضح والانتصار الإيراني الساطع دفع بالقيصر الروسي يسارع لعرض شراكة استراتيجية على إيران.

و نتن ياهو يشتعل غيظاً وغضباً من نجاح الإيراني في شراء مزيد من الوقت.

فيما يبقى الإيراني الرابح الأكبر… نصف كأس مليئة للقيادة الإيرانية العليا عنوانها المقاومة ونصف كأس غير فارغة للرئيس وفريقه عنوانها الطاعة للقيادة والانضباط وعدم تجاوز الخطوط الحمراء.

وهكذا يكون قد انكسر مفتاح التفاؤل بـ»مخترة» الأميركي للعالم مرة أخيرة وإلى الأبد، كما انتهى درس الثقة بنوايا الأميركيين وكذلك الرهان على قوة إيران وعزتها خارج حدودها الوطنية والقومية.

وعليه فانه لا خيار يبقى لنا بعد اليوم في طهران إلا أن نبقي كل دوائر أجهزة الطرد المركزي التسعة عشر ألفاً التي نمتلكها تدور 24 على 24 وليس ثلاثة آلاف ولا خمسة آلاف ولا حتى تسعة آلاف فقط كما حاول الأميركي مساومة اللاعب الإيراني في لعبة «بازار» مسقط وفيين الخاسرة.

وإن حجم التخصيب ومستوى التخصيب تحدده حاجيات طهران المحلية وتقوم به أيدي أبنائها المهرة والكفوءة وفي الداخل الإيراني حصراً.

وإن مفاعل فردو المدرع والمحصن بحجارة جبال قم المقدسة وكذلك مفاعل أراك للماء الثقيل لن يمسهما أي تعديل على رغم أنف نتن ياهو وسادته الذين يحلمون بتفكيك المشروع النووي الإيراني جملة وتفصيلاً.

وأخيراً وليس آخراً أن نتعلم ونعتبر جميعاً بأن إتقان لغة القرآن الكريم أهم وأنجع وأولى من إتقان لغة الإنكليز لأن الأولى هي التي تعلمنا كيف نفهم حقوق رب العباد علينا كما فهم حقيقة مطالب العامة من الناس، فيما الثانية قد تعلمنا فن كسب بعض مطالب العباد من الخاصة بينما نخسر حق الله وحقوق عياله.

هكذا أرادت القيادة الإيرانية العليا إتمام الحجة على عدوها وعدو الإنسانية اللدود وهكذا حصلت بالفعل على ما تريد على أبواب الشام كما على أسوار غزة كما على تخوم بغداد وسواحل الأحمر وباب المندب.

وهكذا أدارت اللعبة بكل حنكة وحكمة وفطنة محققة بذلك أعلى درجات النجاح وأثمن الامتيازات والانجازات من بوابة وثقافة المقاومة.

وهكذا تكون أيضا وأيضاً قد مارست ديبلوماسية المرونة البطولية كما وعدت وصدقت الوعد وهكذا جعلت عدوها اللدود أي الشيطان الأكبر، يجثم على ركبتيه في دهاليز فيينا مقدماً حصانيه الرابحين الأساسيين تشاك هيغل وجان كري قربانا على مذبح ديبلوماسية حياكة السجاد الإيراني وإذعاناً بخسارته للمعركة الخامسة مع محور المقاومة والثلاثي الدمشقي الشهير.

بعدنا طيبين قولوا الله…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى