هل بدأت موجة «الشر» بالانحسار؟!

معن بشور

يستطيع كلّ من استمع إلى الهجوم المقذع الذي شنّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على موقف الإدارة الأميركية من الأزمة السورية، أن يتخيل حجم التوبيخ الأميركي لأردوغان الذي «وعد» بإسقاط النظام في سورية خلال أسابيع ولم يف بالوعد، والذي وعد بالإمساك بمفاتيح الأوضاع في مصر وتونس وليبيا واليمن ففشل رهانه فشلاً ذريعاً.

بل يستطيع أي محلل متجرد من الأهواء، متحرر من «الأفكار الرغبوية» التي تخضع الوقائع للأماني، أن يتخيل كماً من السيناريوهات التي يمكن أن تتفرع عن الواقعة الرئيسية وهي واقعة احتدام الصراع بين أنقرة وواشنطن، بدءاً من سيناريو حصول تطورات داخلية تشجعها واشنطن لإضعاف أردوغان وصولاً إلى معادلات جديدة خارجية تسهم في محاصرة الرجل الذي استهل عهده باستراتيجية «صفر مشاكل»، ليتوج زعامته بمشكلات مع كلّ جيرانه حتى وصل به الأمر إلى «التطاول» على الإدارة الأميركية التي يدرك كل العالمين بالأوضاع التركية حقيقة دورها في تسهيل وصول أردوغان إلى السلطة ثم توفير كل الظروف لإنجاح تجربته لا سيّما على الصعيد الاقتصادي.

من السيناريوهات المتوقعة أيضاً، أن ينساق أردوغان في «جنون العظمة» الذي اتهمه به كثير من معارضيه، وحتى رفاقه في «حزب العدالة والتنمية»، وهو انسياق دفع ثمنه كثيرون غيره، وبالتالي فمصيره لن يكون مختلفاً عن مصيرهم.

ولكن من السيناريوهات المتوقعة أيضاً أن تقوده خيبته من حلفائه الأميركيين والأطلسيين، إلى التوجه نحو معسكرات أخرى وتحديداً نحو موسكو وطهران… وصولاً إلى دول البريكس عموماً، وإلى الانضواء تحت لواء منظمة شنغهاي.

ولكن هذا التوجه المعاكس للرغبات والمصالح والسياسات الأميركية سيكون له أيضاً ثمن يكمن في اضطرار أردوغان لمراجعة الكثير من سياساته السابقة لا سيّما في ما يتعلّق بالأزمة السورية نفسها، موضوع خلافه اليوم مع واشنطن، أو حتى بعضويته في حلف الأطلسي لا سيّما بعد أن خيّب الأطلسيون ظنه في أكثر من مناسبة.

في جميع السيناريوهات، لا يمكن لأردوغان الاستمرار في سياسة دعم المجموعات المسلحة في سورية والعراق، وفي تحدي ما يشبه الإجماع الإقليمي والدولي على «مكافحة الإرهاب» وهو أمر أدى إلى إنكار أولويته من قبل أنقرة وحلفائها قبل أشهر من فشل جنيف -2 في يوم مثلج من أيام سويسرا.

إذا أضفنا إلى الارتباك التركي المتزايد، إحساس العديد من حكومات المنطقة، لا سيّما في الجزيرة والخليج، بمخاطر تمدد المجموعات المتشددة المسلحة إلى داخل دولها وأنظمتها، وإذا أضفنا إلى العاملين، ما يجري في الميدان من تغيير واضح للمعادلات. فإننا أمام مسرح جديد يجرى، على ما يبدو، تحضير خشباته على نار روسية هادئة.

يقال إن عاصفة «الشر» كعاصفة الطبيعة تبدأ خافتة ثم تشتد وتتعاظم وتُغرق من تغرق، وأحياناً تُحرق من تحرق، ثم تنحسر في النهاية، لكن الفارق كبير بين العاصفتين، فعاصفة الشر هي من صنع الشياطين أما عاصفة الطبيعة فهي من السنن الإلهية.

عاصفة الطبيعة تأتي للبشرية بالماء والثلج ونظافة البيئة، فيما عاصفة الشر تأتي بالدم والدمار وكل أنواع التلوث الفكري والسياسي والاجتماعي.

فهل نحن أمام انحسار عاصفة «الشر»، بعد أن دمرت ما دمرته، وقتلت من قتلته، أم أن مصانع الشر على امتداد المنطقة والعالم ما زالت مصرّة على إنتاج حرائق وخراباً تصدّرها إلى بلادنا وهي لا تدري أنها ستصل إليها يوماً ليس ببعيد؟!

المنسّق العام لتجمّع اللجان والروابط الشعبية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى