ثقافة النصر وعيده.. لتكريس 14 آب يوم الانتصار
هاني سليمان الحلبي
لا يقلل من عظمة الجهود البطولية لبنى المقاومة، القيادية الثقافية النفسية الاجتماعية العسكرية، ما درج وصفُه من قيادة المقاومة الإسلامية أنه نصر إلهي.
فالنصر الإلهي أيضاً ليس من الضرورة أن تتولاه ملائكة سماوية ليتحقق. فهذه المرة تولته ملائكة بشرية أعارت جماجمها لربّها، رؤوسها في السماء وأقدامها موتودة في أعماق الأرض كجذور سنديان حرمون وصنين وجبل عاملة.
والنصر ضرورة واجبة لاستفاقة روح أمة كادت أن تصبح كسيحة بفعل الرجعية الدينية والسياسية، الرسمية والشعبية، الداخلية والخارجية التي كانت تستهدف بعمق، روح البطولة فينا، وأساسها الثقة بالنفس، بنفسنا القومية، أنها قادرة على الإنجاز ومستطيعة الانتصار، ومستحقة المجد. فالقومية هي ثقة القوم بأنفسهم، ولا معنى لها يعدو غير ذلك لتوليد العصب الذي يقوم بالجسم الاجتماعي في مواكب الحياة ومعارج الغلبة.
وفي الوقت الذي استهدفت المقاومة، ومنذ قيام الحزب السوري القومي الاجتماعي، عواملَ الشك والفرقة والتفسخ الروحي والاجتماعي والبلبلة وتشتت الجهود والقوى، دعت إلى وحدة القلوب والسواعد والأدمغة لتكون حرب أمة لا حرب فئة مخصوصة منها، حرب شعب لا حرب حزب ما، يحارب بينما الجميع قاعدون.. «اذهب أنت وربّك وقاتلا»!
وحيث كانت حرب الفئة، نادراً ما حالفها النجاح، إلا إذا كانت قلة منظمة متينة الإيمان وتحفل بأكثرية كافية ومتماسكة القيادة والروح والبنية. هكذا تمكن الحزب السوري القومي من خوض يوم بكفيا المشهود بقلة نظامية واعية في وجه أكثرية السلطة والانتداب وكان ما بعده غير ما قبله. وكذلك تمكّن حزب الله من خوض حرب الأمة، يعضده بعض الحلفاء، في مواجهات قاسية ومكلفة، بدءاً من 1993 حتى 2006، كانت تتنامى الدروس والعبر والخبرات قياساً لحصر الكلف والتضحيات نسبياً..
وحيث كانت الثقة بالنفس أساساً للنصر والحشد في حرب مقدسة كحربنا، أصبح تعميم الثقة هدفاً بذاته لتصبح ثقة شعب بنفسه، لا ثقة حزب ولا ثقة تحالف من أحزاب وحركات، لتسري ثقافة النصر ونتائجه في العصب العام القومي الاجتماعي لشعبنا.
ومهما كانت البروباغندا الحزبية محترفة ومتقنة ومهنية، ستبقى في مرمى الاتهام الحزبي، ربما من حلفاء حيناً ومن خصوم في اغلب الأحيان.
لذا ينبغي على الكتل النيابية ووزرائها العمل بخطة نظامية دقيقة لجعل الانتصار وثقافته وعيده شأناً لبنانياً عاماً، ببعده التربوي والنفسي الاجتماعي. فالنصر لـ»أنا» لبنانية عامة أهدتها المقاومة إياه، لمرات سابقة، ولكن هذا لا يُعفي هذه الـ»نحن» اللبنانية من أن تكون فاعلة في تحقيق النصر ليصحّ أن تدّعيه، لا أن تتلقاه كل مرة. وتمارس الدلع السياسي العنصري الفئوي في احتمال قبول هدية النصر والاشتراط فيها أو لا.
تكريس 14 آب من كل عام يوم النصر اللبناني واجب وطني لا يعلوه واجب. وهذا التكريس خير وفاء لأرواح الشهداء ودماء الجرحى وعرق القادة وهموم الناس وجسامة التضحيات التي لم يبخل بها أحد منهم.
هل تذكرون الحاجّة النبيلة، بذكراها البهيّة، لما أهدت جنى عمرها ببيت أسرتها المدمّر «فدا قدم السيد».
هذا النبل الشعبي الأصيل يستحقّ أن يُكرَّس في جهاد مقاوم داخلي لتثبيته خطة تربوية وطنية.
عضو اتحاد الكتاب اللبنانيين