مواقف فرنسية نبيلة تصفع فابيوس

الياس عشّي

في عام 1946، وبعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، كتب جان بول سارتر في «الأزمنة الحديثة» يقول:

«من غير المعقول ألاّ تشعر فرنسا بأنّ وجهها في الهند – الصينيّة هو وجه الألمان في فرنسا». إنه اتهام صريح لفرنسا بالنازية.

وفي الخمسينات من القرن الماضي وقف بعض أحفاد الثورة الفرنسية ضدّ الاستعمار الفرنسي للجزائر، وطالبوا باستقلالها، وكان على رأس هؤلاء الأحرار جان بول سارتر الذي أدّى موقفه إلى نسف شقته في باريس، بل كاد يرسل إلى السجن لخمس سنوات. يومذاك كتبت سيمون دي بوفوار رفيقة بول تقول:

«لقد كنّا نشعر بالوحدة – أنا وسارتر – في هـذا المجتمع الباريسي البورجوازي الزائف المهرول نحو نهايته. وكم مرّة تساءلت : تُرى، هل يأتي يوم، أحبّ فيه وطني من جديد؟»

وفي الستّينات يقول الشاعر الفرنسي جاك بريفير لأنسي الحاج في مقابلة أجراها معه في باريس، ونشرتها مجلة «شعر»:

«… إنكلترا هي البلد الديمقراطي الوحيد. تقدر أن تقول كلّ شيء. فرنسا؟ يتاجرون بالثورة الفرنسية. ليس عندنا حرّيّة. يراقبون كلّ شيء ولا يسمحون بشيء».

لم يتوقّف هذا الانهيار الأخلاقي والسياسي والعسكري والاقتصادي في فرنسا، حتّى جاء ديغول، وأعاد الاعتبار إلى الثورة الفرنسية حين وافق على استقلال الجزائر، ويوم وقف إلى جانب العالم العربي بعد الاعتداء «الإسرائيلي» في حرب حزيران عام 1967.

لا أدري إذا كان فابيوس رئيس الديبلوماسية الفرنسية اللاهث وراء النفط والغاز والأحلام الاستعمارية القديمة، والمعتلي ظهر إيفل، والمتآكل حقداً حتّى الصدأ، أقول: لا أدري إذا كان فابيوس قرأ شيئاً لهؤلاء المبدعين الثلاثة: سارتر، وبوفوار، وبريفير، الذين رفضوا أشكال القمع كافة التي تمارسها الحكومات الفرنسية المتعاقبة.

أشكّ في ذلك فمن يقرأ لهؤلاء الثلاثة تكن أحلامه كبيرة، وبديعة، وملوّنة، ويكن قادراً على الدخول إلى حدائق الورد، وترك بصماته لابتكار عطر آخر من العطور الباريسية، لا التسكّع بين أنابيب النفط والغاز، ولا التدخل في شؤون الدول وإلغاء حقّها في تقرير المصير، ولا التفرّج على الجثث المنثورة من ليبيا إلى حلب، ولا الحلم بالعودة إلى قبر صلاح الدين، ولا بالانتقام من يوسف العظمة لوقفته الشجاعة والنبيلة في ميسلون.

ليستمرّ فابيوس في غيّه، ولن نسكت نحن. إنّنا أولاد شرعيون لفعل الكتابة. ألم يخبرنا سارتر في كتابه «كلمات» بأنه: «لفترة طويلة، عجز القلم. ورغم ذلك، فسأظلّ أكتب وأكتب. أنا واثق من أن الكلمة تفيد إلى حدّ ما. الكلمة قد لا تنقذ شيئاً، أو أحداً، أو حتى لا تبرّر أي أمر من الأمور، لكنها من صنع الإنسان. وفي الكتابة، يرى الإنسان حقيقته كما في المرآة».

ثم ألم يقل ابن المبارك قبل ألف عام: «لعلّ الكلمة التي أريد قولها، لم أقلها بعدُ»؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى