حرب أميركا و«إسرائيل» تستهدف المنطقة كلها … كيف تردّ المقاومة؟
د. عصام نعمان
بات الأمر قاطعاً في وضوحه: أميركا و إسرائيل تواجهان المقاومة بأطرافها جميعاً على مستوى منطقة غرب آسيا برمتها، من شواطئ فلسطين ولبنان وسورية الى أعالي جبال أفغانستان. المواجهة متواصلة ومتصاعدة وتتخذ أشكالاً شتّى وتُستخدم فيها اسلحة متعددة. في المقابل، يقوم محور المقاومة بأطرافه جميعاً، متحدين ومنفردين، بمواجهة الهجوم الصهيوأميركي المتعدد الأشكال والساحات، ويعتمد طرائق ووسائل متعددة ومتزايدة الفعالية في كلّ المواقع والجبهات.
واقعات شتّى تؤكد المواجهة القائمة والمتصاعدة بين أميركا و إسرائيل من جهة ومحور المقاومة من جهة اخرى، أبرزها ثلاث:
أُولاها، مسارعة إسرائيل الى الإعلان عن مشاركتها في القوة العسكرية البحرية التي تقوم أميركا بتنظيمها بدعوى حماية الملاحة التجارية عبر مضيق هرمز. مشاركة إسرائيل ستتركّز، بحسب زعمها، على الأمور الإستخباراتية. على انّ ذلك لا يعني عدم مشاركتها بقطع حربية من أسطولها العامل في البحر الأحمر وعلى مقربة من مضيق باب المندب.
ثانيتها، قيام إسرائيل ، بالتنسيق مع قيادة القوات الأميركية المتموضعة في العراق، بضرب مقرّ قيادة الحشد الشعبي العراقي ومخازن أسلحته إلى الشمال من بغداد. الهجوم نُفذّ بواسطة أربع طائرات مسيّرة. تقول صحيفة نيويورك تايمز انّ عملية القصف جرت ضمن الأراضي العراقية ما يوحي بوجود ثلاثة احتمالات:
ان تكون الطائرات المسيّرة انطلقت من داخل مواقع للقوات الأميركية المتمركزة في العراق.
ان يكون القصف نُفذ بواسطة صواريخ انطلقت من داخل مواقع للقوات الأميركية في العراق.
ان تكون عملية القصف تمّت بواسطة طائرات مسيّرة انطلقت من داخل إسرائيل ، كما ترجّح مصادر عسكرية عراقية.
ايّاً ما كان منطلق عملية القصف والوسيلة المستخدمة فيها، فإنها ما كانت لتحصل من دون علم أميركا وموافقتها، ذلك لأنّ قوات أميركية تتموضع في العراق وفي مواقع غير بعيدة عن مقرّ قيادة الحشد الشعبي ومخازن أسلحته، ولأنّ القوات الأميركية تقوم بمراقبة وحماية محيطها البري كما نطاقها الجوي، ولا يعقل تالياً ان تكون إسرائيل قد نفذت هجمتها من دون علم القيادة العسكرية الأميركية في العراق او من دون مشاركتها.
ثالثتها، انّ نتنياهو أدلى بتصريح لصحيفة روسية كشف فيه بلا مواربة انّ إسرائيل تعتبر إيران ممعنة في مدّ تنيظمات المقاومة بالسلاح لإستخدامه ضدّها، وانها لن تتوانى تالياً عن التصدي لها في كلّ المواقع المستخدمة في هذا السبيل.
الى ذلك، تبدو أميركا جادة في تطبيق العقوبات الإقتصادية على إيران وحلفائها، لا سيما سورية. فهي لم تكتفِ بحمل بريطانيا على احتجاز ناقلة نفط لها في مضيق جبل طارق بل لمّحت، بتعابير مختلفة، بلسان كلٍّ من ترامب وبومبيو وبولتون بأنها عازمة على تصعيد العقوبات وموحيةً باحتمال منع إيران من تصدير نفطها عبر مضيق هرمز. ولا يستبعد بعض المراقبين ان تُقدم أميركا على عرقلة مرور ناقلات النفط الإيرانية عبر المضيق وذلك في إطار الحرب التجارية التي تشنّها على الصين.
إيران تدرك بالتأكيد أبعاد الحصار الأميركي المضروب عليها. لذا أكدت، فور إعلان واشنطن عن بناء قوة بحرية لحراسة الملاحة التجارية عبر مضيق هرمز، انّ منع نفطها من المرور عبر المضيق المذكور أو سواه لا يعني انّ نفط غيرها من الدول المنتجة سيكون بمنأى من إجراءات مضادة.
الواقع انّ أميركا لا تكتفي بمحاصرة إيران اقتصادياً بل تتشدّد في هذا المجال أيضاً مع حلفاء إيران. فهي تسعى منذ أشهر الى تعزيز قدرات الدول والتنظيمات المتصارعة مع سورية سياسياً وميدانياً، وقد عاودت تزويد التنظيمات الإرهابية المتبقية في أقصى شمال شرقي البلاد وفي غربها إدلب بالسلاح والعتاد، كما عززت قواتها الخاصة في منطقة التنف الواقعة على مقربة من معبر البوكمال بين سورية والعراق. أما إسرائيل فقد سارعت الى إطلاق صواريخها وطائراتها المسيّرة لضرب محيط دمشق العاصمة كما مقرّ الإعلام المركزي لحزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية.
أكثر من ذلك، يبدو انّ واشنطن تبنّت وجهة نظر تل أبيب بأنّ قوى المقاومة في العراق المعادية لهما بدأت تتجه الى ربط البلاد بمحور المقاومة، وبالتالي التعاون مع إيران لدعم قوى المقاومة اللبنانية حزب الله والفلسطينية حركتا حماس والجهاد الإسلامي بالسلاح في كفاحهما المتصاعد ضدّ إسرائيل . في هذا الإطار نسب مدير مكتب مكافحة الإرهاب في معهد الشرق الاوسط تشارلز ليستر الى مصدر في الإستخبارات الإسرائيلية انّ إيران بدأت نشر أنظمة صاروخية وصواريخ باليستية متطوّرة في الأراضي العراقية، بعضها يُركَّز هناك بصفة دائمة والبعض الآخر يُرسل براً الى سورية ولبنان. ربما لهذا السبب دعا بومبيو رئيس حكومة لبنان سعد الحريري الى اضطلاع الجيش اللبناني بدور أفعل في إغلاق معابر التهريب بين سورية ولبنان.
إذا صحّت هذه المعلومات فمعنى ذلك انّ إسرائيل هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن الضربات التي استهدفت مراكز الحشد الشعبي ، وأنها جادة في تصعيد الحرب على إيران مداورةً في العراق ومباشرةً على أطراف محور المقاومة في سورية ولبنان وقطاع غزة. ربما تأسيساً على هذه القناعة اتهم نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس واشنطن بأنها أدخلت أربع طائرات مسيّرة إسرائيلية لاستهداف مقار عسكرية عراقية .
الواقع انّ كلاًّ من واشنطن وتل أبيب أدرك المخاطر المستجدة على وجودهما العسكري ونفوذهما السياسي في المنطقة، خصوصاً بعدما أعلنت طهران نجاحها في تصنيع منظومة جديدة للدفاع الجوي بإسم باور-300 قالت إنّ قدرتها الإستطلاعية تصل الى 300 كيلومتر، وقدرتها على إسقاط طائرات وصواريخ معادية تصل الى 200 كيلومتر. كما وضعت القيادتان العسكريتان في كِلا الدولتين في الإعتبار إعلان مصدر قيادي في الحرس الثوري الإيراني انّ طهران قادرة ليس فقط على مراقبة وإحباط ايّ تحركات معادية في محيط مضيق هرمز بل قادرة أيضاً على الفعل في البحر الأحمر ومحيط مضيق باب المندب.
كلّ هذه الواقعات والتهديدات والاحتمالات تشي بحقائق ساطعة مفادها انّ ثمة حرباً ناعمة ، تتخللها أحياناً كثيرة فصول ساخنة، تجري في دول وساحات غرب آسيا، وانّ أميركا و إسرائيل تقومان بتصعيدها على مستوى المنطقة برمتها، وانّ أطراف محور المقاومة تواجه هذه التحديات بفعالية على مستوى المنطقة أيضاً بشتى الطرائق والوسائل.
سينجم بلا شك عن هذه الحرب الناعمة والساخنة أحياناً تحوّلات متفاوتة الأبعاد. لكن، وسط هذه المعمعة، لن تستقرّ المنطقة على حال قبل انقضاء الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في ايلول/ سبتمبر المقبل، والانتخابات الأميركية الرئاسية للولاية الثانية في خريف العام المقبل.
هل من ترجيحٍ مغاير؟
وزير سابق