البحث عن المنطق في طرح قضية الكرد وليس توظيفها! 2
محمد ح. الحاج
الكثير من الأسئلة لا بدّ من طرحها إذا أردنا معالجة القضية، ونقول قضية مجازاً فهي لم تكن كذلك من قبل، ولنبدأ بالسؤال: هل يتجمع الكرد في منطقة جغرافية محدّدة ضمن البيئة السورية؟ وكم عمر تجمعهم إن وجد؟ وهل هم لوحدهم فيها، قبل ذلك هل كانت لهم دولة مستقلة عبر التاريخ، ولماذا يثيرون قضية هي بالأساس ليست قضيتهم في الجانب الأكبر منها؟
في الأجوبة نجد نفياً قاطعاً لكلّ ما ورد من أسئلة، فالكرد موزعون من الشمال السوري إلى الجنوب، وهم موجودون في أغلب المدن السورية لا يميّزهم عن غيرهم من السوريين شيء، لا شكلاً ولا مضموناً، وهم في كلّ الشرائح الاجتماعية طبقياً، موظفون كبار حتى رئيس جمهورية، وضباط وقادة، وحكام ومحافظون، وتجار وأصحاب رساميل، وحتى عمال بسطاء وفقراء كغيرهم من فئات الشعب، وهكذا نعلم أنهم مع غيرهم من السوريين، عرباً وأرمن وكلد وآشور وسريان كانوا ملأ عين الزمن الماضي والحاضر، وإذا كان هناك من يتحمّل مسؤولية إثارة عرقيتهم فهو الطرح الذي تجاوز فهم الغالبية من ثقافة عربية إلى عرقية عربية، والتطبيق الخاطئ لسياسات تبنّاها البعض دون حساب نتائجها وانعكاساتها على البنية المجتمعية التي تتميّز بها سورية، فنحن لسنا في جزيرة العرب.
سأفترض جدلاً موافقة الدولة السورية على استفتاء يشمل كلّ مكونات الجزيرة السورية بخصوص ما تطرحه قيادات «قسد»، استفتاء تشرف عليه مجموعة دولية محايدة تتمتع بسلطة رقابة حقيقية، وستكون النتيجة هزيمة لكلّ هذه الطروحات، من الانفصالية إلى الفيدرالية، هزيمة مدوية حتى في الوسط الكردي الذي لا يشكل أغلبية في تلك المناطق، وإذا ما أضفنا لهذا الاستفتاء أصوات الكرد في المدن السورية فإنّ الهزيمة ستبلغ ذروتها بوجه «قسد» ليجد قادتها أنفسهم منبوذين على الصعيدين الوطني العام و العرقي كأكراد وستنتصر الـ «نحن» السورية.
تتسلح «قسد» اليوم بالحماية الأميركية، وهي حماية جاهزة للسقوط في كلّ لحظة، ورقة الحماية تستخدمها الإدارة الأميركية وسيلة ابتزاز للطرف التركي أولاً، ولغيره بدرجة أقلّ، وآخر من تضعه في الحساب هم الكرد السوريون الذين تتاجر بهم وبما يعتبرونه قضيتهم «المقدسة»، ليس هناك مقدسات في الشريعة الأميركية، هي السياسة والمهمّ فيها تحقيق المصالح الأميركية على ساحة العالم وضمان تبعية النسبة الأكبر من هذا العالم لها.
ولنتابع: هل قامت للكرد دولة حقيقية على امتداد التاريخ، والجواب: أبداً، ربما قامت دول على رأسها شخصية كردية، وهو نوع من التشاركية الوطنية كأن يقول أحدهم إنه صلاح الدين الأيوبي، ونقول إنّ الالتفاف حول صلاح الدين كان مبرّره تحرير القدس والساحل السوري من الفرنجة، ولولا انضمام المقاتلين من كلّ فئات الشعب السوري لما تحقق له نصر بالمطلق، وكان انضمام هؤلاء بعد صدامات دامية وحوار وتوافق واتفاق.
الإدارة الأميركية تتاجر بقضايا الشعوب، وأيضاً الدول وتحاول فرض رؤيتها السياسية وتنصيب أدواتها، تركيا مثالاً ومصر قبلها وعموم الخليج، في الحالة التركية تدرك الإدارة الأميركية حدود الأطماع التركية، وتعلم أنّ تركيا لا تخشى على أمنها القومي من وجود هيكل دولة كردية على الأرض السورية، سبقتها شبه دولة البرزاني، أميركا تسجل نقطة دفاع عن الكرد مستخدمة إياهم في تمزيق الوطن السوري، بالأحرى ما تبقى منه بعد سايكس بيكو واتفاقيات 1920 1923 وما بعدها التي مُنحت لتركيا مساحات أكبر من مساحة الجمهورية الحالية، أميركا تلوّح بهم كمشروع فزاعة بوجه تركيا لحثها على القيام بعمل ما يخدم استمرار التوتر والصراع في المنطقة، وما أن تستجيب تركيا للمطالب الأميركية حتى ترفع الغطاء عن الكرد وتسقط الحماية بحيث لا يبقى أمام القادة في «قسد» و»مسد» ومتفرّعاتها غير الخروج مع الأميركي باتجاه الشمال العراقي الذي أصبح وكراً للموساد تنطلق منه عمليات التخريب في طول وعرض الوطن السوري وصولاً إلى إيران وهي مستهدفة بطبيعة الحال.
الإدارة التركية وقاحة الخطاب والنوايا العدوانية!
الإدارة التركية الحالية، تتمتع بقدر غير مسبوق من الوقاحة والخطاب السياسي البعيد عن القانون والأخلاق وحسن الجوار، «الأمن القومي التركي يتهدّد إذا حرّر الجيش السوري أراضيه التي تسيطر عليها العصابات العاملة في الخدمة التركية» كما يقول أردوغان! وماذا عن الأمن القومي لسورية، أليس مهدّداً بوجود قواعد أجنبية على الأراضي السورية المحتلة في أضنه وانجرليك وغيرها؟ ومن جديد أليس الأمن القومي للدولة السورية مهدّداً بوجود قواعد عسكرية وقوات تركية على أراض سورية وفي نقاط متعدّدة بذريعة أنها نقاط مراقبة؟ وهل تشكل هذه النقاط رقابة دولية على الفصل بين جيشين أم هي نقاط ترمز للاحتلال، مهمتها إمداد قوى التخريب على الساحة السورية؟ القيادة التركية تعلم أنها تمارس الابتزاز والبلطجة في زمن مستقطع غير آبهة لحقيقة أنّ القوة السورية عازمة على تحرير كلّ الأرض من سيطرة العصابات ومعها الوجود التركي المرفوض وغير المرغوب به، كما تتخوّف تركيا من امتداد عمليات التحرير إلى ما بعد الحدود التي كانت قائمة، وخوفها من يقظة الأكراد لو أحسنّا توجيههم أن يبدأوا عمليات تحرير ما استولت عليه تركيا بداية القرن الماضي وكانت بلادنا تحت الوصاية وولاية العملاء الغرباء عن بيئتنا وحضارتنا وثقافتنا السورية، الأتراك أرضهم الحقيقية في الأناضول بعيداً عنا خلف ذرى جبالنا ومنابع أنهارنا، لقد كانت مصلحة للغرب أن يمنح تركيا ترضية السيطرة على أراضينا فلا تقوم لنا دولة قوية يخشاها الغرب وتعمل على إسقاط مشاريعه ومنع تحقيقها.
الخروج من عقلية الاحتلال وضرورة الانسحاب
يبدو أنّ الإدارة التركية تعاني من حالة استعصاء في فهم المرحلة واستقراء المستقبل، لن تسمح سورية حكومة وشعباً للجيش التركي القيام بمهام على أراضيها، بالأساس الحكومة السورية لم تسمح ولم توافق على هذا الوجود، وإذا كان حصل باتفاق مع روسيا، فالموافقة كانت مشروطة ومحدودة، تجاوزها التركي علانية فسقطت حصانته التي لا اعتبار لها أصلاً وأصبحت قواته أهدافاً معادية يحيط بها الجيش السوري، وفي حال ضربها فمن غير المعقول والمنطقي أن يصطفّ حلف الناتو إلى جانب تركيا التي لا تتعرّض لعدوان، بل هي تمارسه، المطلوب صفعة تدفع هذه القيادة إلى الصحو من غفلتها وأحلامها الوردية لتبادر إلى سحب قواتها بعد تفكيك قواعدها وتطلب الإذن من الجيش السوري بالانسحاب، فلا يحصل صدام، ولتتوقف عن التدخل في الشأن الداخلي السوري بذرائع ساقطة، فهي ليست المسؤولة عن الشعب السوري ولا عن أيّ من مكوناته، تركيا ليست مرجعية ولا قاضياً تنصّبه القوانين الدولية، أما منطق القوة الذي تعتمده فدونه أنهار من الدماء وترسيخ لعداوة اعتقدنا لوهلة أنّ التركي تجاوزها أو تخلى عن أحلامه التوسعية على حساب أرضنا وأمننا القومي.
جدير بنا أيضاً أن نتجاوز مرحلة الصمت التي طالت لنوقظ واجب التحرير ونفتح ملفات الأرض المحتلة وخصوصاً اللواء السليب، في الميزان الأمن القومي متقابل، والتجاوز مرفوض فليبحث أردوغان عن أمنه القومي خارج الأراضي السورية وليأخذ بعين الاعتبار أمن سورية القومي الذي لن نسمح له بتجاوزه… أبداً.