هل تقترب استراتيجية «معركة بين حروب» من نهايتها؟
حميدي العبدالله
وضع العدو الصهيوني اعتداءاته المستمرة على سورية في فترة ما بعد الحرب الإرهابية عليها في إطار ما أسماه معركة بين حروب . وقصد بذلك أنّ الاعتداءات التي قام ويقوم بها محكومة بسقف ومستوى لا يدفع سورية وحلفائها إلى شنّ حرب كبرى رداً على هذه الاعتداءات والاكتفاء بالدفاع السلبي.
واضح أنّ هذه الاستراتيجية التي اعتمدها العدو الصهيوني ما كان لها أن تنفذ لولا الحرب الإرهابية التي شنّت على سورية بدءاً من عام 2011 حيث أدّت هذه الحرب أولاً إلى تغيير أولويات الجيش السوري وحلفائه في منظومة المقاومة، حيث كان التركيز على إلحاق الهزيمة بالإرهاب لتأمين خلفية الجيش السوري والجبهة الداخلية إذا ما قاد الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية إلى نشوب حرب مع الكيان الصهيوني، وثانياً الهجمات الإرهابية استهدفت بالدرجة الأولى كتائب الدفاع الجوي التابعة للجيش السوري الأمر الذي أضعف قدرته على رصد تسللات العدو الجوية والردّ في الوقت المناسب وإحباط الاعتداءات ومنعها من الوصول إلى أهدافها. بسبب الحرب الإرهابية توفر للعدو الصهيوني القدرة الكافية لشنّ اعتداءاته من دون رادع قوي يشبه الردع الذي مارسته المقاومة على الجبهة اللبنانية، وتحوّلت سورية بفعل ذلك إلى نقطة ضعف في منظومة المقاومة استغلها العدو لتنفيذ استراتيجية معركة بين حروب.
لكن تشير الكثير من الوقائع إلى تغيير جوهري في الظروف والأوضاع التي أتاحت للعدو تنفيذ استراتيجيته هذه، ومن أبرز هذه المتغيّرات:
أولاً، أنّ الجيش السوري لم يعد يخشى من اندلاع حرب مع «إسرائيل» قد تتيح لجيش العدو تدمير القواعد الجوية السورية، وشلّ قدرة سلاح الجو السوري على تقديم الغطاء للقوات البرية التي تحارب الجماعات الإرهابية، وعدم الخشية نابعة أولاً من امتلاك الجيش السوري لوسائل دفاع جوي قادرة على توفير الحماية للقواعد الجوية الأساسية وتحديداً منظومة أس 300 إضافة إلى اتساع ثبات الدور الذي تضطلع فيه قاعدة حميميم الجوية ودورها في تقديم مساندة جوية فعّالة للقوات البرية السورية.
ثانياً، حرّر الجيش السوري الجزء الأكبر من الأراضي السورية من الجماعات الإرهابية، ولم تعد قواته موزعة على عشرات الجبهات، وبات بوسع الجيش العربي السوري تخصيص قوات لمقاتلة الإرهاب، وقوات أخرى مع حلفاء سورية في منظومة المقاومة للانتشار على الجبهة مع العدو قرب خط وقف إطلاق النار في الجولان.
ثالثاً، تمكّن الجيش السوري على امتداد العام الماضي الذي أعقب تحرير المنطقة الجنوبية من وضع نظام دفاع جوي واستعادة عمل كتائب الدفاع الجوي، وإقامة تحصينات بالقرب من خط وقف إطلاق النار في الجولان.
بفعل هذه المتغيّرات مجتمعة تقترب لحظة انتفاء الأساس لاستراتيجية «معركة بين حروب» التي اعتمدها العدو الصهيوني، وسوف تتراجع وتيرة اعتداءات العدو الصهيوني خشية أن تقود هذه الاعتداءات إلى نشوب حرب كبرى سيكون أذاها أقوى من أن يتحمّله الكيان الصهيوني.