عن سابق ترصّد وإصرار!!

شاهد ملك يوماً عدداً من الأولاد يلعبون في أحد الحقول ويضحكون بمرح، فسألهم: «لماذا تضحكون؟». قال أحد الأولاد: « أنا أضحك لأنّ السماء زرقاء صافية». وقال ولد ثانٍ: «وأنا أضحك لأنّ الأشجار خضراء». وقال ولد ثالث: «وأنا أضحك لأنّ العصافير تطير». فنظر الملك إلى السماء والعصافير والأشجار. فألفاها لا تضحك، فاقتنع بأنّ ضحكات الأولاد لا هدف لها سوى الهزء بهيبته، فعاد إلى قصره، وأصدر أمراً بمنع أهل مملكته من الضحك، فأطاع الناس الكبار السن، وكفّوا عن الضحك، غير أنّ الأولاد الصغار لم يبالوا بأمر الملك وظلّوا يضحكون لأنّ الأشجار خضراء والسماء زرقاء والعصافير تطير… يبدو أنّ الوعي الزائد الذي نمتلكه في أيامنا هذه وحدها سنين الحرب المسؤولة عنه. هي من طبخته وبهّرته وقدمته على أطباق من نحاس! من البديهيات التي نوقشت وفاض النقاش حولها على وسائل التواصل الاجتماعي في الشهر الماضي، بديهية الأضاحي في الأعياد الدينية، ولا سيما عيد الأضحى المبارك، ورغم أنّ اسم العيد مشتق من الأضحية، وممتد منذ قديم الزمن، فهو يعود إلى قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام. وبقيت فكرة العيد عبر الزمان مستمرة بتقديم الأضحية عبر الذبح الحلال وتوزيعها على الفقراء والمعوزين والمحتاجين. وما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة حول ما يحدث عشية وصباح عيد الأضحى في بعض البلاد العربية، من طريقة ذبح الأضاحي على مرأى الأطفال، وسيلان الدم في الشوارع، وهو ما يجعل من فكرة الذبح فكرة عادية لدى الأجيال التي تنشأ وهي تشارك هذا الطقس السنوي ويجعل من العنف سلوكاً عادياً. وهذا النقاش سليم ولا غبار عليه. على أنّ نقاشاً كهذا يصبح لا معنى له حين يكون جلّ المناقشين قد وضعوا على أعينهم عُصابات كي لا يروا ما يحدث في العالم العربي من عنف وانتهاكات وقتل بحق البشر من أبناء جلدتهم وليس بحق الحيوانات فحسب! حين لا يعنيهم كيف تحوّل لون اسفلت شوارع المدن إلى اللون الأحمر نتيجة العدد الهائل للشهداء الأبرار الذين قضوا حياتهم دفاعاً عن شرف الوطن وعزته! وكذلك لا يهتمون بمشهد الفقر في أغلب المدن والقرى، حيث هناك طبقات من البشر لا تطعم أولادها اللحمة الحمراء إّلا في عيد الأضحى حين يتصدق أحدهم بأضحية للفقراء وما أندرهم! مع كل ما نسمع ونشاهد نجدها ليست سوى خلافات جديدة لن تجدي نفعاً في حالتنا العربية التي وصلت إلى أماكن من البؤس والقهر لم يسبق لها مثيلاً! ونأمل أن يبقى الأطفال يضحكون لأنّ لون الشجر أخضر والسماء زرقاء والعصافير تطير…

صباح برجس العلي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى