الزواج البريطاني الأميركي شرطه العداء لروسيا..
سماهر الخطيب
يبدو أنّ الزواج الأميركي البريطاني في المواقف وردّات الفعل قد عاد للأضواء بعد أفوله عقوداً كثيرة. فمنذ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الذي تمّ في 23 حزيران، والذي تزامن مع الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 ووصول دونالد ترامب إلى رأس الهرم الأميركي.. نجد عودة التوافق والاتفاق والغزل في ما بينهما، بل وحبك المكائد الدولية والخروج عن شرعيتها كالعدوان الذي شنّته الدولتين ضدّ سورية عام 2017 وغيرها الكثير من المواقف والقرارات على الساحة الدولية، لعلّ أبرزها الاتفاق ضدّ روسيا عبر إثارة قضية «سكريبال» تلك الحادثة منسيّة في سالزبوري ساليسبري ، حيث أصيب ضابط المخابرات الروسي السابق سيرجي سكريبال وابنته في آذار 2018. والتي تشابهت حينها أقوال رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع أقوال الإدارة الأميركية باعتبار روسيا تمثل تهديداً لكليهما. وحينها قالت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي «إنّ روسيا تشكل تهديداً للتكتل بأكمله، وليس لبريطانيا فحسب». وذلك في دعوتها إلى «تحرّك منسق» بين حكومات الاتحاد الأوروبي ضدّ روسيا.
واليوم، وإحياءً لفاعلية تلك القضية التي أدّت إلى تصعيد أزمة دبلوماسية واقتصادية ضد روسيا، وإنعاشاً لذكراها، تمّت الموافقة على مجموعة جديدة من «العقوبات ضدّ روسيا» من قبل وزارة الخارجية الأميركية، والتي وافق عليها الرئيس ترامب، في 26 آب من هذا العام 2019.
ويرد الأميركيون السبب الرئيسي لفرض تلك القيود بادعاءاتهم حول انتهاك روسيا للقانون الدولي، واستخدامها للأسلحة الكيميائية والبيولوجية، ودليلهم بحسب مزاعمهم «تسمم سكريبال».
وهنا يجول في الذهن العديد من التساؤلات حول سبب فرض العقوبات بعد مرور حوالي العام والنصف على الحادثة، حيث انتهى التحقيق فيها بالفعل. وإذا ما قمنا بتحليل مفصّل لجميع بيانات وزارة الخارجية الأميركية، يتضح جلياً أنه لم تظهر تفاصيل جديدة في القصة، فما هي البيانات الجديدة التي تمتلكها الإدارة الأميركية؟! طبعاً الإجابة «لا شيء» بل مجرد اتهامات كيديّة، لكونها باتت المنافس الأكبر في سوق التكنولوجية والمعدات العسكرية، وكما نعلم فإن المجتمع الصناعي العسكري هو من أهم اللوبيات الضاغطة في القرار الأميركي، وبالتالي أي تهديد لمنافسته يمكن أن يذهب بالسياسات الأميركية إلى أبعد حد من المواجهة والمجابهة والعتو في الإجراءات العقابية..
ومن الجانب البريطاني، نجد لندن تتحدث في تعليقاتها فقط عن عدد غير مسبوق من عمليات البحث والاستجواب والاختبارات والتجارب في الموقع.
كما صرّح رئيس وحدة مكافحة الإرهاب نيل باسو في «الغارديان» أن «التحقيق لا يعثر على دليل على تورط موسكو في حادث سالزبوري في ساليسبري». وهذا هو البيان الرسمي للإدارة، التي كلفت بالتحقيق في القضية، والذي تم تجاهله من قبل المسؤولين البريطانيين ووسائل الإعلام وقيادة الخدمات الخاصة.
بعد ذلك، ظهرت معلومات في الصحافة البريطانية حول الحالة المتدهورة لصحة سكريبال، والتي لم يعرف عنها شيء تقريباً. أبلغت وسائل الإعلام أيضاً عن وجود ضحية أخرى في ساليسبيري، التي لم يتم الكشف عن بياناتها.
كل هذه الرسائل تبدو غير مقنعة على الأقل، خاصة بالنظر إلى أن الأحداث التي وقعت في ساليسبيري حدثت منذ عام ونصف تقريباً. كما لا تحتوي المقالات المنشورة حول الحادثة على أي تفاصيل جديدة لما حدث، وتتوافق أكثر مع مفهوم «ضجيج المعلومات».
حتى الشخص العادي يدرك أن الضجة المفرطة حديثاً حول «الروس في كل مكان» مصمّمة لتشتيت انتباه المواطنين عن القضية الملحة حقًاً، وهي مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي. وبالتالي فإنّ جونسون سيكمل ما بدأته ماي وسيكون له الأولوية في كسب الرضا الأميركي ظاناً به الكسب في المعادلة الربحية، إنما غاب عن ذهنه أنّ خسارة الأسواق الأوروبية يعني ميلها اتجاه ما سماها «تهديد» لتملأ الفراغ روسيا..
أما بالنسبة لدونالد ترامب، الذي يعد بتقديم حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا باعتبارها فرصة عظيمة لرفع رصيده الشعبوي، وتعليق الهجمات من المعارضين السياسيين مؤقتاً.. ريثما يتم له اعتلاء الهرم الأميركي مرة أخرى..
إنّ هذه الخطوة المتخذة من جانب الولايات المتحدة وحلفائها هي لتشويه سمعة روسيا ومنع زيادة الاهتمام بمعداتها العسكرية، التي استحوذت عليها مؤخراً بلدان في آسيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، والأهم ميلان تركي نحوها..
وبالنظر إلى أن كل هذه الأحداث وقعت في فترة قصيرة من الزمن، يبقى فقط تقدير مستوى التفاعل وتنسيق أعمال الخدمات الخاصة البريطانية والأميركية، هذا الثنائي البريطاني والأميركي الذي حاول جاهداً في ثمانينيّات القرن الماضي منع الأوروبيين من اعتماد عملة موحّدة «اليورو» عبر وضع الكثير من العوائق في وجه هذه الخطوة التي تطلب إنجازها أكثر من عشر سنوات يبدو أنه عاد لوضع الكثير من العوائق أمام الصعود الروسي ظاناً بأنّ الاتحاد الأوروبي سينهار كأحجار الدومينو بعد خروج بريطانيا، لكونها تهدف إلى الصعود لبوابة الشمس التي لا تغيب عن إمبراطوريتها التي أكل عليها الدهر وشرب.. إنما القيمة المصلحية للدول الأوروبية رجحت كفتها تجاه روسيا في مسعى لعقد الشراكات الاستراتيجية والاقتصادية معها لو كل دولة على حدة..