هجرتُك طالت يا سيدي… وليس لدينا إلا قلوبنا والوفاء

علي حسن خليل

للذين تفتّحت عيونهم وأزهر شبابهم على طيف حضورك اللامتناهي، يفوح عطر ذكرك سيدي وإمامي مع إشراقة كلّ صباح، وقد قرأنا في كفيك سفر المقاومة وتلونا مع بحة صوتك مزامير الوطن، وجمعت في وجداننا إنجيل يسوع وقرآن محمد وعصا موسى وكلام سليمان وتضحية إبراهيم، وعلّمتنا معنى الحياة والوطن والدين، فكنت فلسفتنا في الحياة كما أنت لكلّ سؤال جواب، وأن تأتينا ذكرى تغييبك اللئيم في ذكرى هجرة جدّك رسول الله فذلك والله نِعمَ التذكير بالمعنى، والحضور بالمبنى.

الهجرة التي كتبت تشكّل جماعات المقاومة الأولى وانتظامها في المدينة بقيادة رسول الله محمد صلعم ، شكلت المفصل التاريخي للنهضة الإسلامية واكتمال عقد الثورة المحمديّة لنشر الخير وإحلال الحق ونصرة المظلوم وردع العدوان، وكأنك تقول لنا في مثل هذا اليوم، إنهم خسئوا أن يكونوا قد غيّبوك، فقد أردته أنت امتحان نضجنا وفحص عزيمتنا، واختبار صلاح بذارك، لتثمر الشجرة التي زرعت ورعيت وتثبت أهليتها بوجه الرياح وتقوى على العطش، فتستحق أبوّة أستاذك وأستاذنا الإمام الحسين عليه السلام، وتزهر وتثمر، ويتفيأ في ظلالها الوطن بلا جميل أو منّة، فتلامذتك تعلّموا على يديك أن خدمة الأوطان سُنّةً.

ها نحن بعد أربعين ونيّفٍ من هجرتك الطويلة لازلنا نشتاقك كل يوم، وعلى مفترق كل محنة، وفي ليل كل عدوان، ونتخيّلك بقامتك الباسقة كشجر الأرز، وطلتك البهية النقية كثلج جبل الشيخ، والمليئة بالحياة والمفاجآت كالعاصمة التي أحببت بيروت، والمتواضعة في العطاء كضاحيتك المضحّية، والشامخة بالعنفوان كمدينة الشمس التي عشقت بعلبك، والعاصية على الكسر كحبك الأبدي لصور، والممانعة للعصر كمدينة إحياء عاشوراء التي ما تعبت من المناسبة بل جمعت مع ذكرى هجرتك الطويلة فرح العهد والقَسَم بين مناسباتها، النبطيّة التي تجمعُنا اليوم مع نبيهك ونبيهنا، الذي هيّأته لنا قرشاً أبيض لأيامنا السوداء، تلميذك ورئيسنا، الذي نقرأك فيه ونستلهمك من خلاله، ونفرح بوجوده علامة حضورك الدائم الذي لا يغيب.

سيدي وإمامي ها هم أبناؤك وأشبالك في أفواج المقاومة اللبنانية أمل، ومعهم أخوتهم الذين تتلمذوا على يديك ويفاخرون بانتسابهم إليك أخوتنا في المقاومة، قادة ومجاهدو حزب الله، يحمون الثغور كما أمرت وذات يوم تمنّيت، ويحرسون الأحلام، ويفاخرون بأنهم تلامذة الإمام. ومعا ها نحن ماضون بكل وعي وعزم واستعداد للتضحية في الطريق الذي رسمت، طريق موج لا يهدأ كما قلت، ما دام هناك محروم واحد، وما دام الغاصب المحتلّ يؤرق ليل فلسطين، وما دام العرب قد تفرّقت ريحهم، وليس لجمعهم غير سورية التي علّمتَنا أنها الأخ الكبير الذي لا يضيم ولا يُضام، وإيران التي ناضلت لأجلها تعز اليوم الإسلام بأول جمهورية إسلامية ترفع راية المستضعفين ولا تنسى فلسطين، والعراق الذي أحزنك حال اخوتك فيه ها هو اليوم عاد حراً يتقاسم معنا مجاهدوه شراكة طريق ذات الشوكة. سيدي وإمامي نُقرئك من لبنان وفلسطين وسورية والعراق وإيران السلام، ونجدّد العهد والوعد أننا في هجرة جدك التي أسستِ المسار، وفي ذكرى هجرتك التي تعمّد بدموعها الخيار، أن الذين وثقت بهم، يصلون الليل بالنهار كي ينالوا في نومهم بعض بركة رضاك وتربيتة على الكتف تومئ بها تعبيراً عن الاستحسان، أو الفوز بالامتحان.

كل أيامنا بدونك سيدي عدد، لكننا في يومك كل الأعداد، أعادك الله بيننا تؤم صلاتنا وترسم بوصلة جهاتنا، ولا زلنا بانتظارك كل الجهات جنوب، بوصلة السلم والحروب.

لبنان الذي كان وصيتك الدائمة هو تعويذتنا بوجه الشرور، ووحدته الوطنية بين أيدي الأمين على الأمانة، واللبنانيون مهما تنوّعوا أو اختلفوا يغرفون من معين حبك للوطن بعضاً من مشتركات قلت لهم إنها توحّدهم، وإنها نعمتهم التي لا تزول، والكل يبث لك الحب، ويجدّد في ذكراك العهود والوعود، ستبقى في وجداننا حتى تعود، يا سيد السلم والحرب .

عضو المكتب السياسي لحركة أمل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى