سركيس نعوم… «من مزيارة الى واشنطن… حين تستفيق الذاكرة» صحافة الكتابة تنفذ لذاكرة وطن علماني لم يولد بعد
دلال قنديل ياغي
علماني التكوين يطلّ سركيس نعوم بكتابه منذ ولادته المتنوّعة مناطقياً ومذهبياً لجهة الأم والأب والمزيج العائلي إلى زواجه الذي تخطّى المتاريس الطائفية في عزّ تأجّجها بين مناطق العاصمة.
عروبي بنظرة منفتحة على العالم يقدّمه نصّه لنا بعمق الرؤية لأحداث عبرنا بها يعيد صياغتها بحنكة المتابع والمراقب والمتدخل بصياغتها وإعادة تشكيلها أحياناً كالاتفاق الثلاثي والعامل الفلسطيني على الساحة اللبنانية والدورين السوري والإيراني واللاعب الأميركي لينأى عن الروسي لمصارحته بعدم ركون السفارة اليه فبقيت دوائر خارجيتها مقفلة أمامه ..
يأخذ سركيس نعوم من الأحداث التي يسردها مسافة بين طيّات صفحاته بعدما خبرته التجربة وجعلته يُخضع علاقاته لعاملي المعرفة والحرية.. دون أن يغفل إغداق العروض المالية من شخصيات وجهات عدة وعلى غير عادة الكتاب أمثاله لا يذهب سركيس نعوم حدّ إدعاء انه لم يدخل قرشاً لجيبه من سياسي، لكنه يردّد انه قد يقدم خبرته كمستشار لسياسي كالرئيس الشهيد رفيق الحريري أو النائب الحالي المهندس فؤاد مخزومي مقابل مبلغ شهري، لكنه رفض عروضاً متعدّدة المصادر من دول وشخصيات «للتزييت» كما وصفه بإحدى تعابيره خلال وصفه لعلاقته بمرجعيّة معروفة بعلاقاتها مع الصحافيين والإعلاميين كمصدر خبر ومعلومات أو في إطار ذكره لمغلّفات مغلقة رفضها من سفارات عربية وعروض بكتابة تقارير لسفارات غربية او إقليمية. والكلام لدى نعوم لا يكون الا مسنداً بالوقائع بذكر الجهات والأمكنة والأشخاص .
سرده يأتي سلساً حدّ البساطة ليأخذ بيدنا إلى عمق العبر من سنوات الحرب بكل تناقضاتها إلى تكوّن اتفاق الطائف ودور الرئيس الراحل رفيق الحريري وبداية ظهوره والدور السوري في لبنان بمراحله كافّة.
تسلسل تاريخي لا تغيب عنه الانطباعية فهو القارئ بين سطور السياسة.. الباحث عن الخبر في أروقة الادارات المعنيّة في المنطقة والعالم لا سيما منها الإدارة الأميركية التي يكرّر أسماء أصدقائه العديدين فيها.. بعضهم رحل وبعضهم ما زال في موقع القرار.. يعتمد معهم كما يقول معيار الصحافي الباحث عن المعلومة الرافض للبروباغندا .
مقياس صعب يضعه سركيس نعوم في زمننا الراهن لصحافيين يبحثون عن هوية لمهنتهم فلا يجدون غير الصدى .
علامة فارقة في كتابه حواراته مع السيد محمد حسين فضل الله التي كنا نتابعها عبر عموده في «النهار» لمصدر إسلامي رفيع قبل أن تخرج نصوصها بكتاب متكامل بعد وفاة العلامة فضل الله يشرح نعوم كيفية ولادة الكتاب التي تعسّرت أو لم تأت وفق المرتجى.
تكشف كلماته أنّ حياد العواطف صعب رغم مسافة الحياد في الموقف، فعلمانية نعوم وانفتاح السيد فضل الله قرّب المسافة الإنسانية بينهما… اما علاقته بالوزير السابق فؤاد بطرس فهي مفترق تكويني آخر في سيرته، وكذلك مع العميد آنذاك في الجيش السوري سليم حسن الذي فتح له قنوات لعلاقات سعودية وسورية ولبنانية وامتدّت العلاقة لتصبح شخصية وتتعرّج فيها المراحل والأمكنة من لبنان وسورية الى باريس.
كتاب ينبش في الذاكرة يستحضر محطات تاريخيّة من خلفية الصورة وليس ظاهرها ..
كتاب مفتوح للنقاش والعبر يطلّ منه الكاتب سركيس نعوم على مهنة في أعزّ الحاجة الى إعادة تقويم اعوجاجها. هو كتاب نافذة على وطن لن يولد قبل اكتمال علمانيته التي يحمل رايتها نعوم على مدى صفحاته 324، خاتماً رحلة الذاكرة بصورتين، الأولى للزيارة الأولى للرئيس الياس سركيس الذي ربطته به علاقة خاصة في بداية عهده الى اللاذقية وبدا فيها الرئيس الراحل حافظ الأسد، والصورة الثانية تعود للعام 1999، لمساعد وزير الخارجية الأميركي الحالي السفير السابق في لبنان دايفيد ساترفيلد.
أربعة فصول توزع عليها الكتاب لم تغفل مرحلة من بداية الثمانينيات حتى مرحلتنا المعاصرة عكست روح النقد لعين الصحافي ومزجت بين الخبر وصناعته حيناً آخر.
بجرأة يأتي على ذكر علاقاته بالسياسيين اللبنانيين المخضرمين والحاليين والراحلين ويشير الى علاقات خاصة جمعته ببعضهم .
دون أن يدري كاتب المقال اليومي في صحيفة «النهار» التي كشف في كتابه بعضاً من كواليس تكوينها وعلاقته بالراحل غسان تويني والشهيد جبران تويني وصولاً الى وريثتهما نايلة تويني من دون أن تفلت بين الأسطر غصّة على غياب تقدير لجهد مضاعف جعل من الصحافي المستقلّ عنواناً لصحيفة بمقال يكثر متابعوه في لبنان والعالم .
خزان معلومات قد تتباين القراءات لها، لكنها تظهر أننا أمام ظاهرة إعلامية تتعدّى الكتابة الى دور الكاتب في ترك الأثر.