تحالفات القشرة… وتصدّعات المضمون !

فاديا مطر

مع كلّ ما تفاخر به الولايات المتحدة الأميركية من علاقات تعتبرها استراتيجية في تحالفاتها الإقليمية والدولية على كلّ المستويات، إلا أنها تعيش حالات وصلت في بعضها الى مستوى صراع في أغلب تلك التحالفات الاستراتيجية، فالتحالف العسكري التي تحارب به اليمن منذ نحو خمس سنوات، بدأت تصدّعاته تطفو على سطح المشهد الميداني والسياسي تباعاً في تصارع أجنحته العسكرية المدعومة من السعودية والإمارات ليصل الى واقع حال جرّ الكثير من المعارك الطاحنة في عدن وأبين وغيرها من مناطق الجنوب، والتباين في العلاقة مع طهران في تغيير وجهة تلك التحالفات الخليجية وحتى الخليجية الأميركية ليكون تشقق المضمون سيد حال متانة تلك التحالفات.

الورقة المستهلكة هي قوات هادي والمجلس الإنتقالي الجنوبي وبعض المجموعات الإرهابية التي انضوت تحت لواء تلك التحالفات، وآخر المطاف قصف سجن الأسرى في ذمار وما يشكله من تخلّ علنيّ عن بعض المراهنين بكلّ ما يمثل الموقف من تحالف ومرجعية إقليمية، فواشنطن التي تترقب المشهد الحار عسكرياً وسياسياً تتهامل في فكّ نزاع الأجنحة الخليجية رغم ما تصوّره من عمق تحالفات القشرة في تحالفها الخليجي.

وقد سبق الخلاف الخليجي مع مشيخة قطر خطوات التصعيد السياسي بفارق كبير سابقاً ليتكرّس حجم وطبيعة التحالفات الثنائية مع واشنطن، وهنا يتكشف المشهد الداخلي لتحالفات واشنطن في حروبها ووضعها الصورة الإعلامية كغطاء يستر ما يغلي من تشققات بواطن هكذا تحالفات تعتبرها استرايجية في تغيير خارطة المنطقة والسيطرة.

وليس المشهد التركي الأميركي بأقلّ من الخليجي لجهة ما يغلي من ملفات عالقة في الصراع التركي مع الكرد حاضنة واشنطن في شرق الفرات، والمشهد الذي غيّر الوجهة التسليحية العسكرية التركية والتراجع في صفقة الطائرات اف 35 واتفاق منبج وما سمّي المنطقة الأمنة المبهمة، والإهمال تجاه ما تخسره أنقرة في تقدّم الجيش السوري وحلفائه في ريف حماة وإدلب الجنوبي، والكلام عن حلّ ميليشيات النصرة بعد وقف إطلاق النار الأحادي الجانب من قبل الجيش السوري الذي أعلنت عنه موسكو في 30 آب المنصرم والذي يحتفظ فيه الجيش السوري حق الردّ على خروقات المجموعات الإرهابية مجدّداً، وخسارة فاعلية نقاط مراقبتها في ريف حماة في الدعم اللوجستي لمجموعاتها وسند ما تبقى منها، والتي بدأ سوتشي بحصارها بالنار بعد فقدان السياسة، فتشققات بواطن تلك التحالفات الأميركية وصل الى باريس ولندن شريكتها في العلاقات الاستراتيجية منذ العام 1889 من القرن قبل الماضي، وهي علاقات أبرزت بعض الفترات السابقة عمق هشاشتها وصولاً للتخلي الأميركي في موضوع حجز الناقلة البريطانية من قبل الحرس الثوري الإيراني في مياه الخليج العربي والتراجع الأميركي تجاهه، فهو موقف بدأت أوروبا تقرأه بدراية، عبّر عنه فشل واشنطن في استمرار حجز الناقلة الإيرانية في مضيق جبل طارق التي ترتبط حكومته بعلاقات وثيقة مع لندن، والفشل الأكبر طال مسيرة الوجهة للناقلة الإيرانية أدريان داريا وصولاً إلى وجهتها المطلوبة…

كلّ تحالفات القشرة لم تخفِ تشققات بواطن علاقات واشنطن بحلفائها الدوليين، هذا عوضاً عن الفشل الذي يطال تحالفاتها الحزبية والسياسية الداخلية قبيل انتخابات العام 2020 والتي تزداد وتيرتها يومياً في إسقاط صورة الإدارة الأميركية الحالية بشكل تحالفاتها، فلا تحالفات منظومة الناتو باتت متماسكة بعد الحرب على سورية، والتهديد لإيران وكوريا الشمالية، ولا استطاعت واشنطن عبر تمزيق المعاهدات مع روسيا من إعادة صورة تلك التحالفات الى منظور التماسك حتى في القشرة، وهو ما يثير حفيظة بعض أركان تلك الإدارة من ناحية فقدان تحالفات قد تطال الإستراتيجية الدولية لواشنطن على مستويات متوسطة وبعيدة، وربما صورة القشرة لم تعد تخدم مكانة وهيبة واشنطن أمام الداخل ومحور روسيا والصين وكوريا في جعل الأربطة الدولية بواشنطن متماسكة بالقدر الكافي لخدمة مبدأ القطبية الواحدة التي عكفت على تصويره في مرحلة الحرب الباردة سابقاً، وهو سياق توضّح جلياً بعد الخروج من الاتفاق النووي مع إيران بشكله الخماسي الأوروبي، وتداعياته في فك الالتزامات الإيرانية من الاتفاق بموجب المهل الممنوحة لأوروبا، فخيبة العلاقات بدأت تطال شركاء المال والسلاح والسياسة والعسكرة، وهي حالة ربما تطال التفاهمات الدولية التي رسختها واشنطن سابقاً في تعويم مقدراتها على مستوى العالم، لتبدأ القشرة في تحالفات واشنطن تعكس ما بداخلها من تباينات شقوق الباطن في اختلاف الألوان الاستراتيجية لأغلب علاقاتها باستثناء الكيان الصهيوني الذي تعمل واشنطن على تدعيم مستويات القشرة والمضمون في العلاقة معه، وصولاً لطرح مقايضات كبيرة إقليمية في سورية والعراق وليس آخرها في لبنان بعد توعد المقاومة بردّ على هجمات الضاحية الجنوبية باعتداء المسيّرتين الإسرائيليتين، والفشل الأميركي حتى اللحظة في ثني المقاومة عن تثبيت معادلات ومنطق حماية لبنان كما قال السيد حسن نصر الله مؤخراً…

لم تبقِ تحالفات القشرة لواشنطن سوى خيار أمن العدو الإسرائيلي كتحالف استراتيجي مؤكد، وبيع أوراق التحالفات المتبقية قد دخل بازار السياسة والميدان من داخل قشرة تحالفات واشنطن التي راهنت عليها مراهنيها سابقاً، فهل ستبقي واشنطن واجهة تحالفات قشرتها رهناً بتجدّدها؟ أم أنّ التشقق سيطال حتى قشرة تحالفاتها الجديدة ؟ هو ما ستكشفه الأحداث المقبلة من تأثير تلك التحالفات بالمكانة ما بين تحالف القشرة وإمكانية رأب تصدّعات المضمون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى