أميركا والحلفاء… خلافٌ أم استراتيجية؟
جمال العفلق
لا يمضي يوم منذ تشكيل التحالف الدولي المزعوم لمحاربة الإرهاب في سورية والعراق، وضرب معاقل المتشدّدين بالطائرات وادّعاء الولايات المتحده أنها تضرب أهدافاً محققة، إلا ويظهر على السطح خلاف جديد، إما بين أميركا والحلفاء المعلنين، أو بين الحلفاء أنفسهم الذين يريدون أن يظهروا أنهم أصحاب قرار ويحقّ لهم إبداء الرأي، وخصوصاً العرب منهم.
فبينما تتحدث أميركا عن ضربات جوية فقط وعن تدريب للقوات العراقية، تعلن السعودية عن رغبتها في إدخال قوات برية على الأرض. وعندما احتدم الخلاف حول نوع تلك القوات، تمّ إيجاد معسكرات تدريب لما يُسمّى «المعارضة السورية المعتدلة»، تكون جاهزة لدخول الأراضي السورية لتحلّ محلّ العصابات المسلحة، بغطاء دولي، لكنّ هذا في الحقيقة يتعارض تماماً مع واقع المعارضة السورية المشتتة بين معارضة تابعة للدول المموِّلة، ومعارضة من دون عنوان واضح.
لا يمكن أن يكون هناك معارض معتدل، بالمعنى الفكري، ويحمل السلاح ضدّ أبناء وطنه، وليس أي سلاح، إنما سلاح مموّل من قبل دولة تتبع للفكر الوهابي، ولا يمكن أن تكون جامعة لمعارضة من كلّ أطياف الشعب السوري، وهذا في حدّ ذاته تجييش مذهبي وليس تشكيلاً لمعارضة معتدلة. وهنا يبرز الخلاف أكثر مع الولايات المتحدة لاعتقاد سائد لدى السعوديين أنّ شراء الذمم بالمال يعطي نتيجة، غير مدركين أنّ من يبيع مرة يبيع ألف مرة، وأنّ عملية شراء المعارضين وإغراقهم بالمال لا يمكن أن تشكل نواة لمعارضة تحمل منهجاً فكرياً وأهدافاً وطنية، هذا إذا اعتبرنا أنّ من حقّ السعودية أو غيرها، التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
إنّ تجربة السعودية في أفغانستان وما نتج عنها حتى اليوم، يثبتان أنّ المال والسياسة السعوديين في تشكيل التحالفات، لا يمكن أن يطورا مجتمعاً أو يساهما في تغييره، بل على العكس، بدليل أنّ من يقرأ أبسط التقارير عن أفغانستان يشعر أنه يقرأ عن بلد من زمن غير هذا الزمن، وأنا لا أحمّل السعودية وحدها المسؤولية هنا، فهي جزء من منظومة تعمل لصالح أميركا.
أما الأردن فهو موافق على الضربات الجوية، لكنه يختلف مع السعودية في خصوص التدخل البري، وهو واقع في عين النار، بين الداخل الأردني المتشدّد من جهة، والعراق وسورية من جهة أخرى، وكيس المساعدات المالية الأميركية والسعودية، الذي تلوّح له به الدولتان، كلما أرادت منه شيئاً. لكنّ أميركا تفضّل الأردن على السعودية، فهذا البلد وعبر تاريخ الصراع العربي «الإسرائيلي»، وفي أكثر الأوقات احتقاناً في المنطقة، كان الرافعة والوسادة لتمرير الرسائل ونقلها، لتخفيف أي احتقان قد ينتج منه ما لا تُحمد عُقباه، وفي نفس الوقت، يجد الأردن نفسه تحت مظلة الحماية الغربية، وهو لا يثق بالجار السعودي على المدى البعيد.
أما تركيا التي تستعرض دائماً قوتها على أنها مركز القرار وصاحبة اليد العليا في المنطقة، فهي تريد فرض فكرة إنشاء المناطق العازلة من خارج مجلس الأمن، وسط دعم «إسرائيلي» لرئيسها رجب طيب أردوغان، والواضح أنّ الأخير يدفع في اتجاه الحرب على سورية، بينما تعده «إسرائيل» بالضغط على واشنطن للحصول على ما يريد. وقد تقاطع الموقف التركي والذهاب بعيداً إلى المطالبة بتغيير النظام في دمشق، وفرض قوانين على السوريين، مع الرغبة الفرنسية التي ترى في ضرب مواقع الحكومة السورية حلاً يرضيها، رغم أنها تختلف مع الولايات المتحدة حول هذه الاستراتيجية.
واللافت للانتباه، أنّ أميركا التي لا تريد تدخلاً برياً، تعلم أنّ قطر تدرِّب على أراضيها مجموعات من المعارضة السورية، من دون أن يعلم أحد أين سيتمّ إنزال هذه المجموعات ولصالح من. وفي الغالب، فإنّ هذه المجموعات تشبة تلك التي تريدها السعودية، أو التي تدرّبها بالفعل على السلاح، فهي من طيف واحد وهي تابعة، في الغالب، لجماعة الإخوان المسلمين في سورية.
هذه الخلافات وهذه التباينات بين أميركا وحلفائها، لا تغيّر على أرض الواقع شيئاً، فدعم الإرهاب أولوية عند الجميع، وضخّ السلاح والمال وتسهيل عبور المقاتلين وجمع المرتزقة من العالم، يتم بعلم الجميع، ووفق غرفة عمليات واحدة تديرها أجهزة استخباراتية، وهذا الأمر ليس بالسرّ الكبير.
إذاً، أين الخلاف الذي يتحدثون عنه في الإعلام؟ إنّ واقع الأمر أنّ كل هذه الاستعراضات لا تمثل شيئاً، إنما هي للاستهلاك الإعلامي، وهي تلاعب بالألفاظ، لكسب الوقت وإطالة أمد الحرب، وخصوصاً في سورية، فإنهاك سورية حكومةً وشعباً إلى ما لا نهاية، هو مكسب عملي يرضي أصحاب مشروع ما يسمّى الشرق الأوسط الجديد.
وكم كنت أتمنى أن تكون هناك معارضة سورية حقيقية، لتكون مرجعاً لكل مواطن سوري يريد طرح سؤال: هل هذا هو مستقبل سورية الذي تريدونه؟