الانقسامات في العائلة الديمقراطية.. وسطوة الأحزاب المتطرفة تهدّد الساحة التونسية

تونس ـ البناء

إنّ المتأمّل في المشهد السياسي التونسي يلاحظ دون أدنى شكّ وجود حالة من الضبابية والغموض، ولدت خوفاً وحيرة مما قد تؤول إليه أوضاع البلاد في المستقبل، على اعتبار أنّ هناك تخوّفات جدية من نتيجة الاستحقاقات الرئاسية المقبلة، وذلك بسبب تشتّت الأحزاب الديمقراطية، ما سمح بتواصل هيمنة الإسلاميين حركة النهضة ، برغم تقلص وتراجع شعبيتها، على خلاف أهمّ حزب شاركها في الحكم حزب «نداء تونس»، الذي تفكّك تنظيمياً كما انقسمت كتلته البرلمانية، وهو الذي فاز بالمركز الأول في انتخابات 2014، ليغيّر الأوضاع وقتها وينقذ البلاد من حكم الترويكا، ولكن مع بداية الحملة الانتخابية الرئاسية الحالية يشهد الحزب حالة من الانقسامات الى عدة أحزاب، أيّ الحزب الذي كان يشكل الأغلبية شعبياً وبرلمانياً تشظى الى كانتونات عدة وخسر أغلبيته البرلمانية، فالطبقة السياسية مع بداية حملة الانتخابات الرئاسية تشهد حالة من خيبة الأمل بسبب الانشقاقات الواسعة في صفوف الأحزاب التقليدية الوسطية مثل «نداء تونس»، الذي اندلعت فيه أزمة حادة بين يوسف الشاهد وحافظ قائد السبسي نجل الرئيس الراحل، سببها الظاهر، خلافات حول التسيير، وباطنها حرص الشاهد على توسيع دائرة تحالفاته والحزام السياسي الداعم لحكومته، وعلاقته الموسومة بالتقارب مع حركة النهضة، ومحاولة الاستقلال بقراراته الحكومية عن الحزب، لتصل هذه الأزمة إلى تجميد عضوية الشاهد الذي انتقل من خبير دولي في المجال الزراعي، وأستاذ في جامعات دولية، إلى عالم السياسة، وخلال فترة قصيرة أصبح في الصفوف الأمامية للمشهد السياسي والسلطة، أثار خلال مسيرته القصيرة الثرية، ما بعد الثورة، جدلاً واسعاً، والكثير من نقاط الاستفهام حول صعوده السريع. منذ اقتراح اسمه كمرشح لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية، من قبل الرئيس الراحل، الباجي قايد السبسي، وطيلة فترة توليه لهذا المنصب، شهدت مسيرة الشاهد الكثير من المدّ والجزر… فترات اعتبر فيها «بطلاً» يقاوم الفساد الذي ينخر الاقتصاد الوطني، وأخرى اتهم فيها «باللعب» على حبال التحالفات السياسية غير المعلنة والمختلفة لخدمة مطامحه السياسية. طموحه السياسي دفعه لتكوين حزب سياسي جديد تحيا تونس جمع الغاضبين والمتخلين عن حركة «نداء تونس» والأحزاب المنبثقة عنها، فضلاً عن عدد من الشخصيات السياسية وأعضاء من حكومته. ومع تأكد طموحه في خوض غمار الانتخابات الرئاسية، وجّهت أصابع الاتهام لرئيس الحكومة باستغلال موارد الدولة لخدمة مصالحه الانتخابية، مما دفعه لاتخاذ قرار تفويض صلاحياته لوزير الوظيفة العمومية، كمال مرجان، وزميله في حزب تحيا تونس، مؤقتاً إلى نهاية الحملة الانتخابية، «لمحاولة غلق باب التأويلات والاتهامات». انّ عدم توافق حزبي «نداء تونس» و»تحيا تونس» الذي يترأسه يوسف الشاهد، على مرشح واحد يعزز من الانقسامات بينهما لصالح المرشح الاخواني عبد الفتاح مورو، فالشاهد الذي يطمح لخلافة الباجي قائد السبسي الذي كان له الفضل الكبير في صعود نجم الشاهد بشكل مفاجئ، توسّعت جبهة أعداء «الفتى الذهبي» الحالم بالجلوس على كرسي الرئاسة في قصر قرطاج بعد أن اختار الانقلاب بشكل ناعم على والده الروحي رئيس الجمهورية الراحل الباجي قائد السبسي.

الشاهد كان يستمدّ قوته ورباطة جأشه خاصة من دعم حزب «نداء تونس» علاوة عن المساندة التي يحظى بها من جهات أجنبية غربية وأخرى إقليمية في المنطقة العربية الإسلامية. فهل ينجح في كسب الرهان رغم رفض «نداء تونس» دعمه وإصرار السبسي الابن وأطراف من النداء على أنّ الشاهد أدار ظهره للحزب وسعى لخلق توازنات جديدة وأحاط نفسه بشخصيات سياسة ونواب، بعضهم منشقون عن «نداء تونس»، والتمدّد نحو أحزاب أخرى وهو ما عمّق الأزمة بينه وبين حزبه الأمّ.

تتراوح التقييمات لمسيرة الشاهد في الحكم وفي سياسته واستراتيجيته التي تبنى نفس الاستراتيجية التي اعتمدها قبله الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي، أيّ التمسك بالبقاء لأطول مدة ممكنة في منصبه قبل الانتخابات كورقة مؤثرة ومعززة لموقفه الانتخابي، تتراوح مجملها بين الوردي والأسود، أيّ من النقيض إلى النقيض، زوايا التقييم ومقاييسه تحكمها عديد الاعتبارات، منها ما هو موضوعي، ومنها ما هو ذاتي ومصلحي. لكن أياً كانت تلك التقييمات، فإنّ الشاهد ينطلق في سباق الرئاسة، مثقلاً، من ناحية، بانتقادات البعض لحصيلته في إدارة الحكومة، ومسلحاً، من ناحية أخرى، بطموح صريح لفتح طريق الحكم والقيادة أمام جيل جديد من السياسيين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى