جهاد كرم: نسمة خير

بشارة مرهج

جهاد جورج كرم من حامات البلدة الأثيرة التي يلتقي فيها جبل لبنان بشماله فيتوزّع قلبها النابض بين المدينة طرابلس والعاصمة بيروت .

أما البحر الأزرق الذي تتكسّر أمواجه على صخورها العالية فإنه سرعان ما يهدأ ويحلم بالبعيد كلما أطلت عليه سيدة النورية من على تلة مشرفة يلعب في جنباتها صبي وصبية.

لا أذكر المرات التي حدّثني فيها جهاد عن بلدته حامات و سيدة النورية وظلالها ومطلاتها لكني كلما كنت أسمعه أطلب المزيد، فهو كان رائعاً في رواية القصص وسرد الحكايات وتجويد الشعر الشعبي وغناء العتابا.

جهاد كرم صديق عزيز، محام ناجح، سفير لامع، ومناضل سياسي أحبّه كلّ من عرفه لدماثته وغيرته وترفعه وطيب سريرته.

أتقن الكتابة وأدمن القراءة، كان قلمه حاداً صادقاً ناقداً ونالت كتبه السياسية شهرة في الأسواق التي ضمرت بعد الثورة الالكترونية.

رحل جهاد بعد سنين طويلة من الجهاد والعطاء والمعاناة أكد فيها، سواء بالكلمة وبالفعل، ثباتاً على الإيمان، وجرأة في القول وكرماً في التضحية، حتى أصبح أسمه معروفاً في عواصم كثيرة منها بيروت وبغداد ودمشق وعمّان وبرازيليا حيث كان سفيراً للعراق. صحيح أنه كان لطيف المعشر، أنيقاً، ليّن العريكة رقيقاً لا يؤذي نملة ولا يجرح عصفوراً، إلا أنه كان متى حلّ الخطب ينتفض شاباً ممشوقاً يدافع عن المظلوم بقلب عامر. كان يكتفي وهو السفير بكسرة خبز وحبة زيتون وقطعة من الجبن محدّثاً بنعمة ربه. أما حين يتعلق الأمر بزيارة ما فكانت الهدية الثمينة لا تفارق يديه وإنْ قلّ المال في جيبه فالكرم عنده عادة لا سيما إذا كان الطرف الآخر فتاة أو سيدة أو زميلة من أيام الجامعة.

صحيح أنه تعرّض لانتكاسات وويلات على الصعيدين المالي والصحي إلا أنّ صروف الدهر لم تنل من عزيمته الوطنية، ولم توهن إيمانه بالعروبة الحضارية الديمقراطية التي فهمها مع رفاقه نضالاً لا يلين من أجل وحدة لبنان وحريته، والتزاماً مطلقاً بالقضية الفلسطينية وحق شعبها في العودة والتحرير، وعملاً صادقاً لا يتوقف من أجل التضامن العربي على طريق الوحدة والكرامة.

جهاد كرم كان في قرارة نفسه، كما أمام الملأ، لبنانياً صميماً وعربياً أصيلاً وإنساناً مخلصاً ينبض قلبه بالحب لكلّ أبناء بلده لا يميّز بينهم ولا يفرّط بهم حتى أصبح في كثير من مراحل حياته واسطة العقد بين الأفرقاء المختلفين ورسول المصالحة بين الأطراف المتنازعين.

كان بطبعه يحب السلام فأسلم الروح آملاً بالسلام الذي افتقده في مراحل حياته الأخيرة. رحمه الله تعالى وأحسن اليه.

كان نعم الصديق. كان نسمة خير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى