بيني غانتز رئيساً لوزراء «إسرائيل»… أول بوادر «صفقة القرن»

د. أحمد الزين

في السابع عشر من أيلول، ستكون «إسرائيل» على موعد مع انتخابات نيابية جديدة، وعلى خلاف ما يراه بعض المحللين من أنّ إعادة انتخاب بنيامين نتنياهو لرئاسة مجلس الوزراء في هذه الانتخابات ستشكل دفعاً جديداً لمشروع السلام الذي تقوده الولايات المتحدة تحت عنوان صفقة القرن، فإنّ آخرين يرون العكس.. إذ إنّ دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر وهما عرابا هذه الصفقة لا يرغبان بذلك…

وفي هذا الإطار تناقلت تقارير صحافية موثوقة معلومات تؤكد أنّ إدارة ترامب لا ترغب بنتنياهو رئيساً لمجلس الوزراء، لا بل هي في الحقيقة تدعم منافسه بيني غانتز الذي يرأس حزب «بلو أند وايت»… ذلك أنه من وجهة نظر مستشار الرئيس الأميركي وصهره كوشنر فإنّ «صفقة القرن» ستفشل في حال فاز نتنياهو بالانتخابات الإسرائيلية… هذا وتؤكد تسريبات موثوقة أنّ الداعم الخفي لبيني غانتز هو جينا هاسبل، رئيسة المخابرات الأميركية وصاحبة التأثير القوي على الرئيس الأميركي إلى جانب صهره جاريد كوشنر. فما هي هذه الصفقة التي تروّج لها الولايات المتحدة وتنتهج في سبيل تحقيقها سياسات متطرفة في منطقة الشرق الأوسط، حتى أنها تخلت عن دورها كوسيط لحلّ القضية الفلسطينية لتتحول إلى طرف يستشرس في سبيل إلغاء الحق الفلسطيني وتوسيع مساحة ودور «إسرائيل» على حساب هذا الحق؟

واقع الحال أنه لم يصدر إلى الآن أيّ إعلان رسمي حول «صفقة القرن» أو خطة السلام التي تعمل إدارة ترامب لتنفيذها في سبيل وضع حدّ للنزاع في الشرق الأوسط.

والحقيقة أنّ كلّ الأطراف المعنية بهذه الصفقة، في الشرق الأوسط، وفي كلّ العالم يتربّصون لمعرفة تفاصيل عنها، ويبنون توقعات حول إمكانية وضع حدّ نهائي للصراع العربي الإسرائيلي، إلا أنه إلى الآن لم يجر إعلان رسمي، كما أسلفنا، عنها كما أنه لم تتمّ مناقشتها بشكل مباشر مع أيّ من الأطراف المعنية بها…

وفي هذا الإطار قامت صحيفة ««إسرائيل هيوم» أوائل أيار المنصرم بتسريب تفاصيل تتعلق بصفقة القرن.. وبناء على تسريبات هذه الصحيفة فإنّ هذه الصفقة، ستكون ذات أطراف ثلاثة هي: منظمة التحرير الفلسطينية، وحماس و»إسرائيل».. على أنّ أياً من هذه الأطراف لم تفاوض أو توقع أو تتفق على أيّ بند من بنود الصفقة غير المعلن عنها رسمياً إلى الآن..

وتتناول تسريبات الصحيفة العبرية، نواح من الصفقة كان قد تمّ تطبيقها بالفعل قبل الإعلان عنها، وهذه الجوانب هي:

أ ـ الوضع الدولي لمدينة القدس: فقد أعلنت الحكومة الأميركية القدس عاصمة لدولة «إسرائيل» وقامت بنقل سفارتها إليها مطلع أيار المنصرم.

ب ـ وضع اللاجئين: قلصت الولايات المتحدة عدد من تعتبرهم لاجئين فلسطينيين، وأوقفت مساعداتها لوكالة غوثهم الأونروا.

ج ـ وضع غزة و «فلسطين الجديدة»: حيث تتمّ الدعوة إلى قيام دولة جديدة تُنتخبُ لها حكومة جديدة وأن تقوم منظمة حماس بتسليم سلاحها للسلطات المصرية… ليُصار بعدها إلى إعادة فتح الحدود للتجارة تنشيطاً للدورة الاقتصادية.

وبالرغم من حق القوة الذي تفرضه أميركا على الشعوب العربية، فإنّ مثل هذا هذا التطبيق لا يتفق وحق كلّ دولة وكلّ طرف في أن يمتلك الإرادة لاختيار الالتزامات القانونية التي تتناسب وتطلعاته وفي اختيار الزمان والظرف المناسبين له للالتزام بها، أضف إلى ذلك أنّ هذه الصفقة تتناقض مع مبدأ الآثار النسبية للمعاهدات الدولية، الذي ينص على أنّ الدولة أو المنظمة «ملزمة فقط بموجب المعاهدات والاتفاقيات التي وقعت أو صدقت عليها»، ويشير هذا المبدأ إلى أنّ أيّ معاهدة لا تصبح نافذة إلا إذا وقعت عليها كلّ الأطراف المعنية بها وبالتالي فإنّ قبول الولايات المتحدة و»إسرائيل» للمعاهدة لا يجعلها قانونية فالأمر يستلزم توقيع الجانب الفلسطيني عليها..

بناء عليه، فإنه لا شرعية قانونية لاعتبار القدس الموحدة عاصمة لـ »إسرائيل»، ولا للضمّ الممنهج للأراضي المحتلة عبر إعطاء غطاء شرعي للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، فدول عديدة اعتبرت ذلك انتهاكاً للقانون الدولي وحقوق الفلسطينيين الأساسية.

استطراداً فإنه على المستويين الدولي والإقليمي يتبلور مشهد تجلى فيه فشل مشروع إدارة ترامب. لأنّ الفلسطينيين بمختلف أطيافهم السياسية والحزبية يرفضون مناقشة هذه الصفقة ويرون فيها صفعة واستسلاماً لا صفقة تقود إلى السلام.

من هذا المنطلق قام الجانب الفلسطيني برفض الحضور في ورشة البحرين التي قيل إنّ أحد أهمّ أهداف انعقادها كان تشجيع الاستثمارات المختلفة في الأراضي الفلسطينية المحتلة… وبالتالي فإنّ مثل هذا الأمر يشكل مؤشرٍاً جديداً على فشل خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط.

أما من الجانب الإسرائيلي فلعلّ بعض الآراء للساسة الإسرائيليين التي صدرت عنهم بعد كشف إدارة ترامب عن الجزء الاقتصادي من خطته للسلام في الشرق الأوسط تبيّن ترحيبهم بها كونها تلبّي تطلعاتهم في التوسع على حساب القضية الفلسطينية:

أ ـ رئيس حزب أبيض أزرق بيني غانتز، قال عبر صفحته على فيسبوك إنه يؤيد «الترويج والتنمية الاقتصادية للفلسطينيين في غزة ويهودا والسامرة، لكن أيّ مبادرة من هذا القبيل… يجب أن تكون جزءاً من الجهود المبذولة لتجريد قطاع غزة من السلاح، وإعادة السجناء والمفقودين، ومنع النشاط الإرهابي في يهودا والسامرة، والعمل مع العالم لإثبات أنّ الهدوء الأمني سيؤدّي أيضاً إلى الرخاء والازدهار في المنطقة بأسرها».

ب ـ الرجل الثاني في حزب أبيض أزرق يائير لابيد اعتبر أنّ الخطة ليست سوى محاولة «لجعل الجمهور الفلسطيني يفهم أنه إذا قالوا لا، فإنّ كلّ واحد منهم سيخسر الكثير من المال والفرص»، كذلك فإنّ أحد أهمّ أهدافها من وجهة نظره هي خلق هوّة بين الشعب الفلسطيني وحكومته، ليضيف في سياق آخر إنّ الحكومة الأميركية «لا تلتزم باستثمار الأموال في البرنامج، بل تحاول إقناع الدول العربية بالاستثمار بدلاً من ذلك».

كذلك قال لابيد إنّ على الحكومة الإسرائيلية، بموجب خطة ترامب، أن تقدّم تنازلات مثل «تقليل الحواجز التنظيمية أمام المدنيين والسلع الفلسطينية». وأضاف «يجب أن نوضح مقدّماً أنّ هذا مشروط فقط بشرط ألا تتعرّض حرية عمل جيش الدفاع الإسرائيلي في الضفة الغربية للأذى». ليخلص بعدها إلى وصف الوثيقة بالخطيرة للغاية، وأنه لا يوجد سبب لمعارضتها.

ج ـ عضو الليكود ميكي زوهار غرّد على «تويتر» قائلاً إنّ إصدار الصفقة الاقتصادية «يجلب لإسرائيل أخباراً جيدة…» وأضاف مؤكداً «من المهمّ التوضيح: نتنياهو هو الوحيد الذي يعرف كيفية دفع هذه العملية مع الأميركيين مع الحفاظ على المصالح الأمنية للمواطنين الإسرائيليين».

د ـ عضو الكنيست عوفر شيلة قال «إنّ الوثيقة الاقتصادية لصفقة القرن تضع الأمور التي نريدها على الطاولة ولكنها لن تحدث بدون الأشياء الهامة حقاً: المفاوضات الإقليمية حول القضايا الأساسية، والقيادة الشجاعة والحازمة على كلا الجانبين – لا يوجد أيّ منها اليوم».

هـ ـ النائب العربي أحمد الطيبي قال عن الخطة إنها ليست إلا «محاولة لتحويل الانتباه عن أفكار الضمّ والحفاظ على الاحتلال» وأضاف: «من المستحيل شراء الشعب الفلسطيني بكلّ هذه الملايين من الدولارات».

و ـ أيمن عودة، زعيم «حداد تعال» قال: «على شخص ما أن يشرح لترامب أنه لا يمكنه شراء كلّ شيء بالمال، وبالتأكيد ليس التطلعات الوطنية المبرّرة للشعب الفلسطيني.. إنّ الحلّ الوحيد للصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو «إنهاء الاحتلال» و «إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل».

ز ـ عضو الكنيست عايدة توما سليمان من «حداش تعال» قالت حول ورشة البحرين: «الفلسطينيون أنفسهم ليسوا هناك والصين ليست هناك والاتحاد الأوروبي غير مستثمر في هذه العملية… هذا المؤتمر ليس له دعم دولي. فقط الولايات المتحدة وأنظمة النفط العربية موجودة هناك.»

وفي السياق ذاته يبرز رأي لبيني غانتز، رئيس «بلو أند وايت»، يقول إنه لن يدعم الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، ويتعهّد بألا يحصل «فك ارتباط ثان» غامزاً من قناة العملية التي تمّ بموجبها إخلاء ما يقارب العشرة آلاف مستوطن من «غوش قطيف» عام 2005، كذلك تعهّد بأن يطرح أيّ اتفاق دبلوماسي مع الفلسطينيين على الاستفتاء.. ليضيف: «أنا أؤيد أن ندفع باتجاه اتفاق قائم على مبادئ الإبقاء على السيطرة على غور الأردن، والحفاظ على الكتل الاستيطانية، وعدم تقسيم القدس، وعدم العودة إلى خطوط 76».

وردّد بنيامين نتنياهو صدى هذه التصريحات فقال: «لن يكون هناك غوش قطيف آخر، ولن يكون هناك المزيد من عمليات النزوح»، «بعون الله، سنطبّق السيادة اليهودية على جميع الطوائف، كجزء من أرض «إسرائيل»…

الواضح أنّ «إسرائيل» إلى الآن تطرح على جمهورها موضوع الاستفتاء في حال تمّ عرض بنود الصفقة وتضع مسبقاً خطوطاً حمراً يستحيل أن تجد بين الفلسطينيين من يقبل بالتوقيع عليها وهي:

اعتبار القدس الموحدة عاصمة لـ »إسرائيل»، واستمرار سيطرة «إسرائيل» على غور الأردن، والاحتفاظ بالكتل الاستيطانية في الضفة الغربية.

بيني غانتز تعهّد بـ «عدم فك الارتباط»، ومع ذلك فإنّ منصة حزبه تقول إنّ الحزب «سيبدأ مؤتمراً إقليمياً مع الدول العربية التي تسعى إلى الاستقرار وتعميق عملية الانفصال عن الفلسطينيين مع الحفاظ على المصالح الأمنية التي لا هوادة فيها لدولة «إسرائيل» وحرية عمل جيش الدفاع الإسرائيلي في كلّ مكان».

وبعد..

فهل يكون بيني غانتز هو المرشح الفائز والمنوط به، أميركياً، العمل على تنفيذ الصفقة بناء على خارطة الطريق التي وضعها؟

وهل يخسر بنيامين نتنياهو الغارق في قضايا الرشوة والفساد، والمغامرات الخاسرة الحرب الانتخابية أمامه؟

لعلّ ذلك حاصل، ولعله لا يحصل… بالنتيجة فإنّ أياً من هذين الشخصين لن يأخذ بالاعتبار المصالح العربية بل سيسعى إلى مزيد من القضم والضمّ للأرض، والإذلال للإنسان.. وحدها الإرادة العربية الجامعة الموحدة تحت لواء المقاومة قادرة على إفشال صفقة العار وإعادة الحقوق إلى أصحابها…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى