تقرير

كتب تسفي برئيل في صحيفة «هاآرتس» العبرية:

«الجنة تحت أقدام الأمهات، قبّلت قدمَيْ أمّي لأن رائحة الجنة انبعثت منهما»، هذا ما قاله رجب طيب أردوغان هذا الأسبوع في اسطنبول، إذ ناقش مكانة المرأة التركية، ولكن النساء اللواتي توقعن التقدير الكبير لهن ولقدراتهن سمعن من أردوغان: لا يمكن تشغيل النساء والرجال في الوظائف نفسها، هذا مناقض للطبيعة لأن طبيعة الرجال مختلفة عن طبيعة النساء. الدين الاسلامي يوضّح مكانة المرأة في المجتمع: الأمومة. البعض يفهمون ذلك والبعض لا يفهمونه. والذين لا يفهمون ذلك هن المناصرات لحقوق المرأة ومن أجلهن أوجد أردوغان نظرية اجتماعية جديدة: الطريقة الصحيحة للنظر في موضوع المساواة هي المساواة بين النساء والرجال.

الكثير من المساواة موجود في نظرية أردوغان، وهو يطالب النساء بولادة على الأقل ثلاثة أولاد، ويعتبر الاجهاض قتل. قبل سنتين حينما كان أردوغان رئيساً للحكومة قدّم خطة تمنع الاجهاض بعد أربعة أسابيع من الحمل، وهذا يناقض الإذن الذي أعطي في عام 1983 والذي يسمح بالاجهاض حتى الاسبوع العاشر.

أردوغان يحبّ النساء الأمهات، وقد أظهر ذلك عام 2008 حينما أعلن أن يوم الأمّ هو إهانة للأمّ، كونه يأتي فقط مرة واحدة في السنة. وبعد ذلك بثلاث سنوات وضع المنتدى الاقتصادي العالمي تركيا في المرتبة الـ 120 من أصل 136 دولة على سلم الفوارق الاجتماعية. 800 امرأة تركية قتلن في السنوات الخمس الاخيرة، وأكثر من 28 ألف امرأة عانين من العنف داخل العائلة. وقبل ثلاثة أشهر فاجأ نائب رئيس الحكومة لونت آرينج بمطلبه الجديد: «يجب ألّا تضحك النساء بصوت عالٍ، علينا الحفاظ على مبادئنا الاخلاقية». وردّاً على ذلك كانت، ردود فعل كثيرة من النساء اللواتي ضحكن بصورة متعمدة على صفحات «تويتر».

«المبادئ الاخلاقية»، مصطلح يتعزّز أكثر فأكثر في تركيا من دون أن يقوم بتعريفه أحد. وقد تقرر مؤخراً أن الغرباء الذين يتزوّجون من مواطنين أتراك يجب أن يمروا بامتحان المحافظة على الاخلاق كشرط للحصول على الجنسية. «أعتقد أنهم سيطلبون من الشخص تقديم شهادة حسن سلوك بعدم قيامه بمخالفة اخلاقية في بلاده، ويمكن ايضاً أن يبدأوا بمراقبته في الشارع من أجل التأكد من أنه لا يقوم بتقبيل زوجته علناً»، هذا ما قاله أحد الصحافيين الأتراك لصحيفة «هاآرتس». والصحافيون الاتراك الذين هم مستعدون لانتقاد السلطة يفضلون عمل ذلك من دون ذكر أسمائهم، لا سيما بعد إقالة ثلاثة من محرّري شبكة «ستار» التي يملكها رجل أعمال هو أدهم سنجق، وهو مقرّب من أردوغان، والثلاثة ليسوا الأوائل الذين يُطردون بسبب النقد أو الكتابة بخلاف رغبة الرئيس. وقد سبقهم العشرات من الصحافيين الذين فقدوا وظائفهم.

الصحافيون ومناصرو المرأة ليسوا فقط الذين يُغضبون الرئيس، فلدى الرئيس ما يقوله عن القضاة والقانون. وبعد أن قرّر مجلس الدولة وهو السلطة القضائية الاعلى في البلاد، تأجيل تنفيذ مشروع بنائي ضخم بجانب مطار «غلتا» في اسطنبول بسبب دعاوى قدّمها المهندسون ضد خطة البناء، إذ قال أردوغان إن القوانين في الدولة ليست مهمة إذا كان من يطبقها يتصرّف بمصداقية. وأضاف إن بعض قرارات المحكمة هي خيانة للوطن. ولدى أردوغان حساب طويل مع المحاكم في تركيا بسبب كشف قضايا الفساد التي يشتبه بها وزراء في حكومته، بل هو نفسه. وبسبب التبرئة التي منحتها المحكمة لمجموعة كبيرة من المواطنين الذين اعتقلوا في التظاهرات الكبيرة في «بارك غازي» قبل نحو سنة احتجاجاً على نيّة أردوغان إقامة مركز تجاري كبير بدلاً من هذه الحديقة.

كلام أردوغان ضد قرارات مجلس الدولة زاد من الشعور أنه كرئيس يريد التصرّف كسلطان وأنه فوق القانون. وهذا الامر يبرز بالذات على خلفية التنسيق الكامل بينه وبين حكومة أهمت دغوتولو، الذي ينصاع لتوجيهات الرئيس بالكامل.

ومثل مصطفى كمال أتاتورك، يحاول أردوغان اعطاء البلاد صبغة تاريخية، ولكن على عكس أتاتورك الذي نسب الاتراك للحوثيين والآشوريين، فإن أردوغان يبني إرثاً إسلامياً أصلياً، ويعتبر أن المسلمين هم من اكتشف القارة الأميركية قبل كولومبوس بـ 300 سنة، وأن كولومبوس رأى مسجداً على جبل قريباً من كوبا. وقد اقتبس ذلك من مقال نُشر عام 1996 من قبل المؤرخ يوسف مروّة.

في الوقت الذي حظي فيه الاسلام بمسجد في أميركا، فإنّ الكنيس تعرّض في تركيا للانتقادات من قبل محافظ أدرنة، وهو شخصية من حزب «العدالة والتنمية» الاسلامي بزعامة أردوغان، الذي يعتزّ ويتفاخر بالحفاظ على حقوق اليهود والمسيحيين. الكنيس الذي بني في أدرنة عام 2007، بعد إحراق 13 كنيس قبل ذلك بسنتين، حصل على ميزانية وترميم. ولكن على خلفية المواجهات في الحرم أعلن بأن الكنيس سيكون مجرّد متحف ولن تكون فيه نشاطات دينية. «نحن نبني كنيسهم في الوقت الذي يدنسون فيه الاقصى ويقتلون المسلمين»، هذا القرار الذي أغضب الليبراليين الاتراك لم يعقّب عليه أردوغان أو رئيس حكومته، وفي نهاية الامر أعلنت الحكومة التركية أن الكنيس سيكون مكاناً للعبادة أيضاً.

الحكومة التركية تقيم حاجزاً حول النقاش الجماهيري من خلال قوانين موجودة لديها. مثلاً رئيس الحكومة اقترح على الطلاب الكف عن استخدام «ويكيبيديا» كمصدر لابحاث الدكتوراه، وأوصى أولياء الامور بأخذ أبنائهم إلى مكتبات يستطيعون فيها شمّ رائحة الكتاب. هذه بالطبع توصية جيدة ولكن تركيا تمنع الوصول إلى «ويكيبيديا»، لا سيما في ما يتعلق بطرق تكاثر الانسان والصور والرسومات حول الاعضاء الجنسية. وفي أيلول، أعطيت سلطة الاعلام صلاحية إغلاق مواقع وصفحات إنترنت من دون الرجوع إلى المحكمة، وبعد ذلك بشهر رفضت محكمة العدل العليا هذا القرار، إلا أن ذلك لم يمنع الحكومة من منع وسائل الاعلام من تغطية التحقيق مع الوزراء المتهمين بالفساد.

وفي ما يتعلق بالشبكات الاجتماعية، فإنّ سلوك أردوغان وحكومته ليس بعيداً عن المفارقات. فقبل الانتخابات العامة أعلن أردوغان أنه يريد القضاء عليها، وفي الوقت نفسه أعلنت وزارة الخارجية التركية أن تركيا من الدول الرائدة في العالم في متابعة «تويتر»، نحو 620 ألف متابع، أي ضعف وزارة الخارجية الأميركية. والسؤال هو: هل هناك تلاؤم بين عدد المتابعين لوزارة الخارجية التركية وبين السياسة الخارجية الفاشلة التي ميزت تركيا في السنوات الاخيرة؟ هذه السياسة التي تسببت بالصراع تقريباً مع كل دول المنطقة ومع الولايات المتحدة أيضاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى