التخلّي الأميركي والخيبة السعودية والقلق الإماراتي
ناصر قنديل
– الكلام الأميركي واضح ونهائي، لا نية بعمل عسكري، وسقف الموقف هو الذهاب لتقديم ملف إلى مجلس الأمن يقوم على توجيه الاتهام لإيران، والمطالبة بالإدانة، في ظل فيتو روسي صيني أكيد. وواشنطن تقول للرياض إن الرد العسكري من شأن السعودية وإذا احتاجت لمعدات عسكرية لهذه الغاية فعليها أن تدفع لقاء الحصول عليها، وتعيين الرئيس الأميركي دونالد ترامب لروبرت أوبراين مستشاراً للأمن القومي يزيد من الخيبة السعودية لما يوحي به تاريخه وطبيعة خبراته التي تثير إعجاب الرئيس الأميركي تتصل بالتفاوض والتحكيم وصياغة الاتفاقات الاقتصادية.
– حدود الموقف الأوروبي دون مستوى الموقف الأميركي، تضامن إعلامي دون إدانة إيران وقبول اتهامها الرسمي بعملية أرامكو، خصوصاً بعد بيان تفصيلي أصدره انصار الله حول طبيعة العملية العسكرية والتقنية. وبالتالي السعودية أمام خيار صعب، بين الصمت والسير بالخطة الأميركية المحكومة بالانتخابات والسعي لتفادي أي تصعيد يُضعف حظوظ ترامب بولاية ثانية، أو الرد بالاستناد إلى قرار ومقدرات محض سعودية. وهذا يبدو واضحاً أنه سقط بمجرد استعراض نتائجه من القيادة السعودية. فالمجتمع ليس مستعداً لدفع أثمان الحرب وهي خراب عام، وهزيمة محققة، والجيش دون مستوى تحديات الحرب، وتوقف النفط وشح مصادر المال أول الأثمان.
– دولة الإمارات التي ذكرها بيان أنصار الله محذراً من مواصلة التلاعب بقرار الانسحاب من حرب اليمن، مشبها الإمارات بالدولة الزجاجية، مهدداً بضربات لاحقة ما لم تخرج الإمارات بالفعل من الحرب، تعيش تحت ضغط القلق وتقيم حساباتها من جديد، ويبدو الوقت ضيّقاً أمامها، وتبدو المبادرة بيد أنصار الله في الخليج، كما هي المبادرة بيد حزب الله في المواجهة مع كيان الاحتلال، والمشهد السياسي في الكيان واستعصاءاته الحكومية، يشبه الارتباك والطرق المسدودة التي تواجه الركن الخليجي للسياسات الأميركية في المنطقة.
– واشنطن لا تعتبر أنها مدينة لحليفيها الخليجي والمشرقي بشيء، فهما طالباها بالخروج من الاتفاق النووي مع إيران وتكفّلا بالباقي. وهما طلبا مواقف أميركية تصعيدية دون مستوى الحرب، وتعهّدا بأن إيران وحلفاءها في سورية والعراق ولبنان وفلسطين واليمن سيتساقطون الواحد تلو الآخر. وواشنطن طلبت مالاً لتفعل فدفعوا ولا منة ولا جميل لهم. وها هي واشنطن منحت كيان الاحتلال والسعودية بركتها للتطبيع بينهما وتبنّت مشروع صفقة القرن، لكنهما عاجزان عن التماسك السياسي للسير فيها، ومنحت كيان الاحتلال نقل سفارتها إلى القدس والاعتراف بها عاصمة للكيان، والاعتراف بضم الجولان، لكن مشكلة كيان الاحتلال أنه ضعيف إلى حد العجز عن حفظ ماء وجهه بوجه حزب الله والمقاومة في غزة. فلماذا تلام واشنطن أو تقيم حساباً لرغبات عجزة وضعفاء؟ وأمامها خيار تفاوضي مع طهران، ولو بالواسطة، وعبره تفاهم مؤقت يجمد الصراع بالواسطة. والواسطة هي قيام أوروبا بموجباتها وفقاً للاتفاق النووي بمباركة أميركية، حتى تنتهي الانتخابات، وحتى ذلك الحين على الرياض وأبو ظبي التعجل في الإجابة عن السؤال الأهم: ماذا سيفعل كل منهم خلال هذا العام، لأن ما بعده سيشهد متغيرات على بيدر العلاقات الأميركية الإيرانية لا تشبه حسابات حقلهم؟