قمة أنقرة وتجاذباتها السياسية والعسكرية… إدلب بوابة الحلول
د. حسن مرهج
يبدو أنّ المناخ السياسي الذي يصبغ مشهد الشمال السوري بالتعقيدات والتجاذبات، لا زال بعيداً عن أيّ طرح يمكن أن يؤدّي إلى صيغة تجتمع عليها كلّ الأطراف، بُغية التوصل إلى حلّ سياسي جامع، والواضح أنّ كلّ القمم التي تأتي في سياق البحث عن حلول سياسية لإيقاف الحرب على سورية، لا تعدو كونها سلسلة غير متكملة الملامح وتحتوي على كثير من التعقيدات، والواضح أيضاً أنّ هذه القمم وعلى اختلاف مكانها وزمانها، فهي وضمن المنطق السياسي والعسكري عاجزة عن بلورة أيّ حلّ سوري ـ سوري، فالأنظار هذه المرة توجهت نحو أنقرة، لعلّ الدخان الأبيض يُبدّد مشهد السواد في سورية، لكن على ما يبدو، أنّ التناقضات لا تزال كبيرة لجهة التوصل إلى صيغ تؤسّس بموجبها معادلات تُبنى عليها الحلول، فـ قمة أنقرة وإنْ كان برنامجها ضمن نقاط البحث عن حلول في إدلب وتشكيل اللجنة الدستورية، لكن التصريحات التي أعقبت القمة، لم تأت بجديد، لكن الثابت دائماً، هو الاتفاق على أنّ كافة الحلول المرتقبة لن تكون فوق سقف السيادة السورية على كامل أراضيها، وهذا مطلب لا تساوم عليه القيادة السورية، مهما كانت الأثمان.
في سياق قمة أنقرة، كان لدى الضامنين رؤية اعتمدت على وجهات نظر سياسية لكن لا تخلو من البُعد العسكري، وهذا ما أكدته تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حين قال: «روسيا مستعدة لتقديم كلّ المساعدات للجيش العربي السوري خلال عملياته ضدّ الإرهابيين». هذا التصريح يُمكن البناء عليه ظرفياً، للتوصل إلى قواعد عسكرية تكون أساساً للقواعد السياسية، في مقابل ذلك، يبدو أنّ الخيار التركي لا زال يُراوح ضمن إطار إعادة الهدوء إلى إدلب، لكن وفق الاستراتيجية التركية والمُعتمدة صراحة على المناورات، من أجل تأخير التوصل إلى أيّ حلّ سواء سياسي أو عسكري، يكون سبباً في إقصاء أردوغان عن خارطة الشمال السوري، فصلاً عن العجز التركي الواضح لجهة حلحلة عقدة الإرهاب المدعوم تُركيا في إدلب، فأنقرة غير قادرة على الولوج إلى ملف الجهاديين والعمل على تفكيك تجمّعاتهم، وفق مُقرّرات سوتشي، من هنا يأتي السيناريو التركي والذي يحاول الابتعاد عن الخيار العسكري، لما لهذا الخيار من تداعيات كارثية على تركيا وحدودها.
روسيا وإيران وضمن استراتيجية دمشق، يبحثون عن تفضيلات تكون بعيدة عن التطلعات التركية الرامية أصلاً إلى تعقيد الحلول في سورية، لكن طبيعة الظروف السياسية والعسكرية تُحتم على الجميع، الدخول في تفاهمات ورؤى سياسية تُجنب المنطقة كوارث العمل العسكري، لكن وضمن هذه الرؤية، فإنّ دمشق لا يمكن أن تصمت طويلاً على ما يُخطط له في الدوائر الأميركية والتركية، ولعلّ دفع جميع الأطراف الفاعلة في الشأن السوري، إلى التوصل إلى حلّ سياسي سريع، ما هو إلا استجابة لرغبات دمشق وإنْ كان ضمنياً، خاصة أنّ الدولة السورية وجيشها وإنْ كانت لا تُفضّل العمل العسكري، لكنه يبقى خياراً أخيراً في ظلّ المناورات التركية والأميركية، يُضاف إلى ذلك دعم روسي وإيراني للدولة السورية وجيشها سياسياً وعسكرياً، وهذه الحقيقة واضحة للجميع.
في جانب آخر، يبدو أنّ اللجنة الدستورية وضمن هذا المناخ السياسي، لن تُبصر النور قريباً، وإنْ أبصرت النور فستكون ضمن الأطر التي لا تؤسّس لحلول جوهرية، فالملفات الواجب حلحلة تفاصيلها، ينبغي أن ترتكز بداية على تسوية ملف إدلب، إذ لا يمكن خوض الغمار السياسي ضمن اللجان الدستورية، فيما لا تزال الجغرافيا السورية تُعاني من الإرهاب، وهذا ما أكده الرئيس الأسد في أكثر من مناسبة، وهو ما تمّ تأكيده من غالبية القيادات السياسية السورية، صحيح أنّ روسيا ترغب في التوصل إلى هذه اللجنة، لكن الصحيح أيضأ انّ الهدف السوري الروسي المُشترك، يأتي في إطار سدّ الذرائع التي يتاجر بها محور العدوان على سورية، خاصة أنّ دمشق وحلفاءها يرون صراحة أنّ إدلب ستكون مُنطلقاً لجملة واسعة من الحلول ومرتكزاتها، والمُتعمّق جيداً في تصريحات الرئيسين الروسي والإيراني عقب قمة أنقرة، يصل إلى نتيجة مفادها، أنّ العمل العسكري لتحرير إدلب آتٍ لا محال، رغم كافة التعقيدات والمناورات الأميركية والتركية، ومن ثم يتمّ الجلوس على طاولة مفاوضات تُفنّد الكثير من النقاط السياسية، لكن من منطق القوة السوري.
ختاماً، قمة أنقرة وما سبقها وما سيأتي بعدها، هي تفاصيل في سياق حرب عبثية شُنّت على سورية الموقع والدور الإقليمي المؤثر، لكن الواضح تماماً أنّ القيادة السورية وحلفاءها، وضعوا في حسبانهم كافة الخيارات والسيناريوات، بما في ذلك عمل عسكري مُباغت، يقطع الطريق على الخطط الأميركية، ويُعرقل المناورات التركية، من هنا سيكون الجيش السوري منطلقاً لأيّ تفاهم، وهذا ما سيثبته الآتي من الأيام، خاصة إذا تمّ الربط بين ما سبق، وتصريح بوتين حين قال: «إنّ الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب يثير القلق حيث يواصل الإرهابيون اعتداءاتهم على المناطق المجاورة مشدّداً على أنه لا يمكن ان تبقى إدلب بؤرة للإرهابيين ومنطلقاً لتنفيذ هجماتهم واعتداءاتهم، ويجب اتخاذ خطوات إضافية لإزالة الخطر الإرهابي في إدلب بالكامل». لعلّ تركيا تعي أخيراً أنّ مناوراتها السياسية في كافة القمم والاجتماعات لن تُحقق لها شيئاً.