لماذا رفضت إسرائيل «حلم» ميشال عون أكاديمية التلاقي والحوار
روزانا رمّال
منذ اندلاع ثورات عُرِفت بالربيع العربي والحديث الأبرز حيال رؤيا جديدة لشكل خرائط المنطقة هو المنطق الأغلب عند المجتمع الدولي، خصوصاً عند الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الذين باتوا يرون ان نهاية الصراع في الشرق الاوسط صارت ضرورية. لكن الصراع هنا كان ولا يزال يتمثل بقضية واحدة فقط وهي الصراع العربي الإسرائيلي وبالتحديد الفلسطيني الإسرائيلي الذي أنهك المنطقة بفعل تداعياته لعقود وأنهك معها حلفاء إسرائيل المضطرين لاحتوائها عند كل مفصل دقيق من أزماته.
الربيع العربي والذي يرمز الى الربيع أي الولادة كما اسماه منظرو الثورات أبرزهم برنار هنري ليفي كان مطلوباً ان يتم اقتناص فرصته بشكل سريع وان تنتج عنه دول هي بالواقع دويلات متطرفة . في ذلك الوقت كان الاستغراب اكبر من ان يتم تصديق فكرة تستبدل الحرية بمنطق تقسيمي فلم تلقَ آذاناً صاغية مسألة تقسيم سورية او العراق او اليمن وليبيا. وكانت توضع هذه التحليلات بجهة استهداف الحركة التحررية واستهداف كل تغيير آتٍ على المنطقة، لكن بعد ان تحولت الثورات جميعها الى ثورات مسلحة وصراع محاور ثبت ان الغاية من تقسيم الدول المذكورة كان واقعاً منذ اليوم الاول وان الحديث عن دولة يهودية متطرفة تتبع ولادة دويلات سنية – شيعية درزية علوية – مع تهجير ممنهج للمسيحيين هو المطلوب.
بعد إعلان الرغبة الأميركية بإدارة صهر الرئيس الاميركي جاريد كوشنر لملف صفقة القرن والتعاون الإسرائيلي الأميركي حيالها وقبلها إعلان تهويد القدس ونقل السفارة الأميركية إليها باعتبار ترامب انها عاصمة الدولة الإسرائيلية اليهودية، تبين ان فكرة تقسيم المنطقة واعلان عواصم مذهبية دينية واللعب على هذا المسار كان حقيقياً. وتبين ان دولة يهودية تترجم العنصرية الصهيونية مطلوبة في منطقة الشرق الاوسط لإقفال الصراع الأكبر. وهنا يفيد استحضار معركة تقسيم كردستان التي فيما لو نجحت لكانت غيّرت شكل العراق وولد معها اول دويلة تعلن تقسيم العراق رسمياً ليتبعها تقسيم سورية واليمن حيث تبقى المخططات حدودياً واردة، طالما ان مصير صفقة القرن المبهم يفتح المنطقة على الاحتمالات كافة.
جولة في منطق التقسيم هذا تأخذ نحو لبنان وصراعه مع إسرائيل الذي لم ينته ومنطق التطرف نفسه هو منطق القوة والهيمنة التي تفرضه إسرائيل بالمنطقة لتحفظ في التفوّق العسكري والرهبة التي تحيط بها شعوب الجوار، كما ان جولات الحرب مع لبنان غالباً ما تعيده عشر سنوات الى الوراء وهو شعار تتناقله أغلبية القادة الأمنيين والسياسيين في إسرائيل التي لم تعد قادرة بالوقت الراهن على تحقيقه. وهذه العودة هي لمنع لبنان من احتلال مركز سياحي متقدم في المنطقة يمنع إسرائيل بالتفوق فيه عنوة.
التطرف والتقسيم يعني الاقتتال المذهبي والعرقي اي لا مجال لاي نافذة حوار وتلاقٍ في هذه المنطقة وبمجرد اعلان دولة يهودية متطرفة تأخذ دول الجوار نحو قلق الوجود فتنزح نحو التأطير المذهبي والعنصري ويبدأ الاقتتال من جديد ودوامة كرة نار مذهبية تكبر ولا تنطفئ.
وسط كل هذا الجو المتطرف يخرج لبنان باقتراح أممي جامع صار هو واقعاً بتصويت الاغلبية الساحقة من دول العالم لإنشاء اكاديمية للتلاقي والحوار في لبنان بعد إقراره في الجمعية العمومية للامم المتحدة إنشاء أكاديمية التلاقي والحوار في لبنان ، شكّل أهمية كبيرة لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ، الذي كان اقترح مبادرته بانشاء الاكاديمية في الـ2017 في اول كلمة له كرئيس للجمهورية في الامم المتحدة بعد أن كان هناك جهد حثيث من اجل التوصل الى هذه الصيغة الجامعة وبهذا الإطار تتحدث مصادر مطلعة لـ البناء عن حلم الرئيس بهذه الأكاديمية الجامعة وبرغبته بتسليط الضوء على لبنان الرسالة والحضارة والتلاقي لا الاقتتال وبأن هناك إمكانية وافرة في المنطقة والعالم لجمع ما فرقته الأزمات ولعل لبنان بما يمثله بأكثر من 18 طائفة أهم مركز ممكن ان يؤثر بالمنطقة نظراً لما عايشه من حروب أخذته بنهاية المطاف نحو صيغة وطنية جامعة بحدّها الأدنى أبعدت القتال المذهبي.
ترفض إسرائيل بدعم أميركي بالكامل هذه الفكرة جملة وتفصيلاً. ففي وقت تسعى هي للترويج لصفقة القرن التي تعتمد أساساً على تقسيم الاراضي المحتلة بين عربية ويهودية وبين العمل على ترويج لفكرة اضطهاد إسرائيل بين دول الجوار المتطرف وضرورة تحصينها وتحصين حدودها ومفهومها الأيديولوجي. وهو مفهوم وجودي عميق لا يستمر دون تعزيز العصبية الدينية. الأمر الذي تكشفه الانتخابات الإسرائيلية عند كل استحقاق، وسط كل هذا يرفع الرئيس اللبناني مطلباً لتلاقي الحضارات والاديان وتلاقي الانسان ويسقط معه كل نظريات التطرف الذي يحيط بشعوب المنطقة وأهلها.
نجح ميشال عون بجعل حلمه حقيقة او رغبته بالحد الأدنى، لكنه نجح ايضاً باستهداف حلم الدولة اليهودية القائمة على ضرورة العزل والتطرف مرتين، مرة أولى كانت عندما تحالف مع فصيل إسلامي وهو رئيس تيار مسيحي وكان تحالفاً لافتاً مع حزب الله وللمفارقة هنا هو عدو إسرائيل اللدود الأول. والمرة الثانية عندما استحصل على ثقة العالم بكون لبنان ملتقى للإنسان والروح ومساحة للتعقل والتفكر.