الحريري أجرى محادثات في فرنسا: ملتزمون بالقرار 1701 والأولوية لإصلاحات سريعة ماكرون: فرنسا ملتزمة بتطبيق قرارات سيدر
محمد حمية
بموازاة حملة العقوبات الأميركية المشددة على لبنان وتفاقم الوضعين الاقتصادي والمالي الذي يسير على طريق الانهيار بحسب خبراء ماليين، يجري تعويم مؤتمر سيدر كرهان داخلي على الحصول على بضعة مليارات وضخها في السوق اللبنانية على شكل مشاريع استثمارية يستحوذ قطاع الطاقة على أغلبها، لكسر حلقة الانكماش والركود القائم منذ سنوات، فيصارع رئيس الحكومة سعد الحريري الرياح الدولية ويسير بين الألغام الإقليمية قاصداً العاصمة الفرنسية بعد أن عرّج على المملكة العربية السعودية علّه يعود ظافراً بأموال سيدر.
فهل ينجح الحريري بتحرير الأموال المجمّدة في الخزائن الفرنسية والسعودية؟ وما هي الشروط السياسية والمالية المقابلة؟ وهل يمكن أن يكون سيدر إحدى الوسائل لتأخير أو تجميد الانهيار؟ واستطراداً هل مسموح أميركياً وضع لبنان على سكة الإنقاذ في ظل تمادي واشنطن في حرب العقوبات المالية على لبنان؟
على مدى ساعة ونصف ساعة أجرى رئيس الحريري محادثاته مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، شدّد بعدها الحريري على ضرورة القيام بـ»الإصلاحات اللازمة التي أقرت في مجلس الوزراء وفي الموازنة الأخيرة».
وبحسب الحريري فقد كان «الرئيس الفرنسي حريصاً جداً على مساعدة لبنان وعلى استقراره، وهذا أمر مطمئن، وهو مستعدّ أن يكمل بهذا الاتجاه وأن يساعد لبنان بأي وسيلة ممكنة، والمهم لديه هو أن يكون اللبنانيون والأفرقاء السياسيون حرصاء على القيام بالإصلاح. فالإصلاح ليس مطلوباً من أجل الحصول على الأموال، بل لكي نحسّن أداء الدولة في لبنان لما فيه مصلحة المواطنين ولكي نحارب الفساد القائم».
وسمع الحريري ملاحظات عدة من المسؤولين الفرنسيين، بحسب ما قال، وأن لبنان سيأخذها في الاعتبار، لكن المهم بحسب الحريري هو الإسراع في الإصلاحات، فلم يعد لدينا المزيد من الوقت. وقال: «لو قمنا بهذه الإصلاحات قبل تقارير «فتيش» و»أس أند بي» لما كنا اليوم هنا».
وعن الـ400 مليون أورو كقرض جديد من فرنسا، قال: «هي ليست قرضاً جديداً، ففي مؤتمر روما كان هناك دعم للجيش اللبناني، ولدينا برنامج بنحو مليار دولار لتجهيز الجيش اللبناني، وإذا أردنا أن نصرف نحن هذا المبلغ فإنه سيكلفنا نحو 14 أو 15 فوائد لكي نسلح أنفسنا بالبواخر التي نحتاج اليها، لكوننا نعمل على موضوع استخراج النفط والغاز في البحر، وبالتالي يجب أن نحمي هذه الصناعات. نتفاوض اليوم مع الدولة الفرنسية حول كيفية الحصول على هذا القرض الممتدّ على مدى 10 أو 15 سنة، للتمكن من شراء البواخر».
بدوره أكد الرئيس الفرنسي حرص فرنسا على أمن واستقرار لبنان. وقال: «فتبادل إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل في نهاية شهر آب المنصرم أثار الخوف من تمدد الصراعات الإقليمية باتجاه لبنان، وقد تدخلت شخصياً في هذا الوقت لدى مختلف الأطراف لتفادي التصعيد، بالتنسيق الوثيق مع الرئيس سعد الحريري. يبقى اليوم أن يظهر الجميع ضبط نفس كامل».
كما أكد أن «فرنسا ستبقى ملتزمة بأمن واستقرار لبنان، ضمن إطار قوات اليونيفيل، كما في إطار التعاون الوثيق الذي أطلقته والذي يربطها بالجيش والقوى العسكرية اللبنانية. كما سنثير أيضاً الأجندة التنفيذية للالتزامات التي اتخذناها سوياً في روما في آذار 2018 لتزويد الجيش اللبناني بالعتاد اللازم».
وشدد ماكرون للحريري على أن»فرنسا ملتزمة بالكامل بتطبيق القرارات التي اتخذناها في مؤتمر سيدر بباريس في نيسان 2018. فقد تم تخصيص 10 مليارات يورو وآمل أن يسمح ذلك لمجلس الوزراء ورئيسه أن يتقدّما في المشاريع، ولا سيما في قطاع الكهرباء والبنى التحتية والإصلاح الإداري، لما فيه مصلحة مباشرة لكل اللبنانيين».
وبحسب خبراء في الاقتصاد والمالية العامة يقولون لـ»البناء» إن «مؤتمر سيدر ليس الحل للأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، والطبقة السياسيّة تكرّر سياسات قديمة منذ الرئيس رفيق الحريري ألا وهي سياسة الاستدانة وترتيب فوائد على أمل أن يتولى البنك المركزي تثبيت سعر العملة وتأمين الأموال للخزينة اللبنانية»، وتحذر المصادر من أن «مقدرات البنك المركزي تتراجع وبالتالي لم يعد بإمكانه دائماً تغطية عجز الدولة في الخزينة والعجز في الموازنة».
ويشير الخبراء الى أن «أموال سيدر تأتي على دفعات متقطعة ومتتالية ومخصصة لمشاريع محددة وليس لدعم مالية الدولة»، ويلفتون الى أنه «بلا تعويم مالية الدولة فالبلد يسير على طريق الإفلاس، ويوضحون أن الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان لا يستطيع انتظار أموال سيدر، لأن هذه الأموال ربما تأتي بعد عام أو عامين وربما أكثر ولبنان يحتاج الى حلول سريعة وضمن مهلة أشهر لاحتواء الازمة والانطلاق لمعالجة الازمة»، كما ويوضحون أن سيدر قد يحرك جزءاً من القطاعات ويمنح الدورة الاقتصادية دفعاً بسيطاً لكنه ليس الحل والأجواء الإيجابية ليست أكثر من اجواء اصطناعية».
وفي حين تشير مصادر اقتصادية لـ»البناء» الى أن «جزءاً من أموال سيدر قد تأتي على شكل ودائع لإيداعها في مصرف لبنان لحماية العملة الوطنية وليس لتحريك وتنشيط الاقتصاد، فالمطلوب بحسب المصادر ابقاء لبنان في دائرة الأزمة وتشديد الخناق على الطبقات الشعبية وتحديداً بيئة المقاومة وحزب الله علها تشكل ضغطاً كبيراً على الحزب وهذا يخدم سياسة العقوبات الاميركية، فواشنطن تمنع تقيد الحكومة ورئيسها من القيام بخطوات عملية للخروج من الازمة». وترى بأن «هناك شروطاً للإفراج عن أموال سيدر تتعلّق بفرض ضرائب جديدة، وقد لا تستطيع الحكومة مواجهة هذه الشروط ولا الاحتجاجات الشعبية ما سيؤدي الى فوضى اجتماعية وامنية».
وتشير مصادر مالية في هذا الاطار الى أن بعض الدول قد تبادر الى وضع ودائع مصرفية في لبنان لكنها لن تخدم سوى السياسة النقدية وليس السياسة المالية والاقتصادية، وترى أن «السيولة النقدية استعملت في نظام المحاصصة وليس في تنشيط الاقتصاد، وودائع المواطنين باتت في خطر، وتم تدمير قطاعي الصناعة والزراعة ما أدى الى تراجع القدرة التنافسية واصبحنا اقتصاد استهلاك وتمويل هذا الاستهلاك، ما ادى الى ارتفاع الاستيراد وبالتالي الضغط على الاحتياطات النقدية».