فعل وجود وحاضر وتاريخ يؤسّس لزمن قادم
عبير حمدان
يتحتم على كلّ من يحمل شعلة الحرية الحقيقية بعيداً عن أيّ مزايدات منبرية أن يُقدّس شارع الحمراء في بيروت وتحديداً تلك الزاوية حيث تستعيد الذاكرة رمزية الاسم، إنه «مقهى الويمبي» الذي لم تجهد أيّ جهة رسمية للحفاظ عليه كونه المكان الذي شهد إطلاق الشرارة الأولى للمقاومة ضدّ المحتلّ، وصدى طلقات خالد علوان شاهدة على تقاعس أرباب المنابر الفارغة. تلك الطلقات تعرّي من يبرّر «للعملاء» ويروّج لمنطق «عفا الله عن ما مضى».
من يملك الإرادة لا ينتظر من يحفزه على التنفيذ، والمواجهة المباشرة فعل وجود، من هنا يخرج الكلام عن إطار الذكرى بل يتعداها ليكون الحاضر والتاريخ المؤسّس لزمن قادم.
هي المواجهة التي من واجبنا جميعاً أن نعتمدها أسلوباً في يومياتنا، وهي الإرادة التي من المنطق أن تكون ضمن مناهجنا التربوية كي تعرف الأجيال التي لم تولد بعد أنّ شوارع العاصمة التي حاول العدو كسر إرادتها لفظته ودحره أهلها ولم تنطفئ أنوارها يوماً.
وحدها ثقافة المقاومة والتصدّي قادرة على بناء الأوطان بعيداً عن المؤتمرات الداعية إلى نشر السلام، وأيّ سلام يريده من ينكر دماء الشهداء وينشر «ثقافة الاعتدال» و»النأي بالنفس» ويوظف «قانونه» الخاص لإسقاط تهمة «التعامل» بحجة مرور الزمن، أيّ سلام يريده من يتخذ التعامل العنصري مبدأه ويتاجر بالدين خدمة لمصالحه…
37 عاماً تبدّلت فيها الوجوه والمعادلات وبقيت العقيدة القومية ثابتة لم تنل منها محاولات الإقصاء أو الإلغاء، إنها العقيدة التي يعرف أصحابها البوصلة الصحيحة، والعدو الوحيد بكلّ وجوهه.
في بلد التناقضات يخرج شعراء البلاط إلى منابر فيها الكثير من الأموال، وتُقام الاحتفالات في السفارات بحضور الجزارين والعملاء وكلّ يجاهر بتبعيته على ليلاه..
وحدها يد المقاوم تبقى قابضة على الزناد وعينه ساهرة وتبقى أرواح الشهداء حاضرة بين التفاصيل لا تنتظر مذكرة تعطيل رسمية احتفاء بتضحياتها ولا احتفالاً منبرياً بزيّ رسمي.
اليوم وبعد 37 عاماً لو عاد البطل خالد علوان زائراً إلى شوارع بيروت ليطلق رصاصاته في قلوب جنود الاحتلال، وسيوفر ما بقي معه من طلقات لعملاء الداخل صوناً لإنجازات رفقائه الشهداء منهم والأحياء…