الجلسة العامة… النزعة الطائفية تتفوّق على الأزمة الاقتصاديّة
هتاف دهام
لا شك في أنّ الجلسة العامة التي عقدت أمس، في مجلس النواب برئاسة الرئيس نبيه بري اتسمت بطابع طائفي بامتياز بعدما تقصّد بعض نواب لبنان القوي التصويب على استرداد الحكومة مشروع قانون يتعلّق بفتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة لاستكمال تنفيذ بعض المشاريع، بإظهار المشكلة وكأنها مسيحيّة إسلاميّة، مما دلّ على أنّ القوى السياسية غير متفقة على كيفية التعاطي مع الأزمة الاقتصادية والمالية.
ففي وقت سحب رئيس الحكومة سعد الحريري مشروع فتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة لاستكمال تنفيذ بعض المشاريع، تحت عنوان الوضع المالي، على قاعدة أنّ المعنيين كافة يدركون أنّ الحكومة لا تملك المال لتمويل ما ورد في مرسوم 4046، فإنّ المفارقة تكمن في أنّ رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان الذي لا يترك مناسبة إلا ويدعو فيها للتقشف، تمسّك بالمشروع ورفع راية الدفاع عن أحقيته وضرورته، وتعمّد الإشارة في المؤتمر الصحافي الذي عقده محاطاً بنواب من الكتائب والقوات ومن التيار البرتقالي، الى أنّ المشاريع التي سُحبَت لم تمرّ لأنها في المتن الشمالي وكسروان، علماً أنّ المشروع يتصل بمشاريع في الجنوب وعكار أيضاً. صحيح أنّ ثلثي المبلغ الوارد في الاعتماد يعود الى مشاريع في جبل لبنان، بيد أنّ الثلث الباقي موزع بين النبطية وصور وجبل عامل والهبارية – حاصبيا والهرمل.
إنّ الاندفاعة العونيّة داخل الجلسة وخارجها والتي خيّمت عليها اللغة الطائفيّة حرفت الأنظار عن أنّ هذه المشاريع قد تكون ملحّة وضروريّة ويقتضي تنفيذها من قبل مجلس الإنماء والإعمار بأسرع وقت، لما تحمل من أهميّة خاصة وأنها تعود الى العام 2014 وهي ليست بجديدة، لكن الأكيد أنّ رئيس الحكومة نجح في إيصال وجهة نظره والتي حظيت بتأييد غالبية الكتل السياسية، بما فيها الوفاء للمقاومة والتحرير والتنمية. فالرئيس بري أكد أنّ سحب رئيس الحكومة مشاريع قوانين حق معطىً له، علماً أنّ وجهة نظر الحريري تشير إلى أنه مرّر القروض التي أتت باتفاقات دولية، لأنها فوائدها 1 في المئة، في حين أنّ المشروع السابق الذكر هو اعتماد إضافي، لو أقرّ، سيلزم الحكومة تنفيذه وتأمين الاعتمادات المطلوبة له سواء من الخزينة أو بسندات خزينة تتجاوز فوائدها الـ14 في المئة . وهذا من الصعب أن يتوفر، وبالتالي لا يجوز، بحسب مصادر الحريري لـ «البناء» خلط شعبان برمضان والحديث عن التضامن الوزاري ووحدة الحكومة في الدفاع عن المشاريع المحالة منها في إشارة إلى كلام وزير الدفاع الياس بوصعب الذي دفع الحريري إلى الخروج من القاعة العامة، قبل أن يعود إليها بعد تدخل الرئيس بري ووزير المال علي حسن خليل وعدد من النواب، علماً أنّ وزير الدفاع حاول توضيح موقفه في المؤتمر الصحافي الذي عقده وعدد من نواب لبنان القوي، قائلاً إنّ كلامه ليس مساً بصلاحيات رئيس الحكومة على الإطلاق، وإنّ مداخلته أتت في سياق ضرورة أن يكون الإنماء متوازناً لجميع المناطق، إذ ليس من الطبيعي ان تكون هناك أموال لمشروع ولا تكون هناك أموال لمشاريع أخرى في إشارة إلى مشروع القانون الرامي إلى طلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض بين الجمهورية اللبنانية والصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية للمساهمة في تمويل مشروع توفير المياه لأغراض الشرب والري في منطقة الضنية، مع الإشارة إلى أنّ نواب الوفاء للمقاومة اعترضوا أيضاً على المشروع الذي أقرّ معدلاً لجهة إعطاء مهلة شهر لوزارة العدل لإنشاء لجنة تحقيق في هذا الموضوع، بعدما طالب النائب حسن فضل الله بلجنة تحقيق في آلية تنفيذ المشاريع المذكورة في البند السادس المتعلق بمشاريع الضنية.
وليس بعيداً عن النكسة السابقة الذكر التي أصابت نواب لبنان القويّ، فإنّ النكسة الثانية، جاءت مع سقوط صفة العجلة عن اقتراح القانون المعجّل المكرر الرامي إلى إلغاء الفقرة الأخيرة من المادة الثمانين من القانون 144 تاريخ 31 تموز 2019. صحيح أنّ النائب سيزار أبي خليل شرح الأسباب الموجبة لصفة العجلة للاقتراح، غير أنّ الأمور سارت بعكس ما يشتهية التيار الذي يدرك أنّ حزب الله أسوة بحركة أمل وتيار المستقبل والحزب الاشتراكي والحزب السوري القومي الاجتماعي متمسك بضمان حقوق الناجحين في مجلس الخدمة المدنية وليس راضياً، بحسب مصادره الوزارية لـ»البناء» على مقاربة التيار الوطني الحر لهذا الملف الذي لا يتعارض على الإطلاق مع التوازن الطائفي. وعلى هذا الأساس تتفق الأحزاب السابقة الذكر حيال هذا الملف، على قاعدة أنّ المناصفة وفق ما نص عليه الدستور محصورة بوظائف الفئة الأولى، مستغربة بعض السلوكيات التي تدفع الى إخضاع مأموري الأحراج على سبيل المثال للتوزيع الطائفي.
وليس بعيداً عن الوظائف، فإنّ المفارقة جاءت مع إحالة اقتراح النائب جورج عدوان الرامي إلى تحديد آلية التعيين في الفئة الأولى بالإدارات وفي المراكز العليا في المؤسسات العامة الى لجنة الإدارة، بعد أن أسقطت عنه صفة العجلة. فبينما صوّت كلّ من نواب التحرير والتنمية واللقاء الديمقراطي والكتائب والمستقلين الى جانب اقتراح نائب الجمهورية القوية، تضامن حزب الله بالشكل مع تكتل لبنان القوي الذي تعرّض الى هجوم بطريقة غير مباشرة من قبل العدوان الذي قال إنّ هذا الاقتراح سيضع الجميع مسؤولياته، خاصة أنّ رفضه سيفضح كلّ مكوّن سياسي يتحدث عن الكفاءة والإصلاح، علماً أنّ موقف حزب الله، بحسب مصادر نيابية لـ «البناء» هو تقني، على اعتبار أنّ هذا الاقتراح يحتاج الى دراسة متأنية ومستفيضة في اللجان، ولا يعني الرفض على الإطلاق أو موقف سلبي من الاقتراح، مشيرة إلى أن حزب الله يؤكد أهمية اعتماد آلية للتعيينات، والوزير محمد فنيش كان أول من وضع آلية للتعيينات عندما كان وزيراً لشؤون التنمية الإدارية، لأنه يؤمن بأنّ التعيينات يجب أن تراعي القانون والكفاءة والجدارة وإعطاء الفرصة للمستحقين، بعيداً عن أيّ استنسابية أو محاصصة.
وكان مجلس النواب أقرّ إبرام مشروع قانون يتعلق بـ «أحكام خاصة بتصفية المعاش التقاعدي لأفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية الخاضعين لشرعة التقاعد، من دون مفعول رجعي»، كما أقرّ مشروع قانون يرمي إلى تحديد شروط إعطاء مديري المدارس الرسمية تعويض إدارة. وعدل اقتراح قانون يتعلق بمدينة زحلة، لجهة أن يصبح العنوان «تعديل في قانون البلديات»، فيما أعطى الحكومة مهلة سنة «لوضع مشروع متكامل بالإجازة لها بإنشاء نفق لطريق بيروت – البقاع على طريقة BOT « بعد صيغة معدلة. وأقرّ مشروع القانون المتعلق بإنشاء أوتوستراد يسوع الملك – جعيتا، والاوتوستراد العربي في الشمال، فضلاً عن مشروع القانون المتعلق بالموافقة على إبرام اتفاقية قرض بين الجمهورية اللبنانية والوكالة الفرنسية للتنمية، لتمويل مشروع الصرف الصحيّ في وادي قاديشا وكافة قرى قضاء بشري، وأقرّ نقل اعتماد من فصل المؤسسة العامة للإسكان إلى فصل موازنة وزارة الشؤون الاجتماعية للعام 2019، والذي يترجم بزيادة 35 مليار ليرة لمصلحة مؤسسات الرعاية. بينما أحال اقتراح تعليق العمل بقانون الإيجارات تاريخ 28/2/2017 إلى اللجان، فيما أحيل الى لجنة الإدارة والعدل اقتراح قانون حول الضمّ والفرز في منطــقتي بعلــبك الهرمل ويونين.
وكان عدد من النواب تحدثوا في الأوراق الواردة عن الأوضاع الاقتصادية والمصرفية والاجتماعية والحياتية والمعيشية الصعبة، ودعوا الى معالجتها.