اليمن فرصة العالم لتفادي التصعيد

ناصر قنديل

– تكشف كلمة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، درجة الصعوبة في النزول عن الشجرة بعدما بلغ التصعيد مرحلة متقدّمة، رغم التأكيد على تراجع خيار الحرب في الحسابات الأميركية، لكنها تكشف معادلة ربط بها الرئيس ترامب رفع العقوبات عن إيران وهي ما وصفه بتغيير إيران لسلوكها، وليس التوصل معها عبر المفاوضات إلى اتفاق نووي جديد. وبالمقابل تبدي إيران استعداداً لثنائية تتمثل، من جهة بمد اليد لدول الخليج بمبادرة لحفظ الأمن تتضمن بنوداً عدة، قد لا تشكل كلها فرصاً للتلاقي، لكن الرئيسي فيها يبقى الدعوة لوقف الحرب على اليمن وفتح الباب للحل السياسي فيه، وإعلان إيراني تفصيلي عن الاستعداد للمساهمة في هذا الحل. ومن جهة ثانية أعلنت إيران الاستعداد لقبول إضافات وتفاصيل على الاتفاق النووي إذا عادت واشنطن إلى صيغة الخمسة زائداً واحداً بعد رفع العقوبات.

– لا ينتظر الأميركيون بالتأكيد لبلوغ لحظة تتناسب مع معيار تغيير السلوك لرفع تدريجي للعقوبات، تغييراً في موقف إيران من كيان الاحتلال، وهم يعلمون أن في ذلك استحالة. والمنطقي طالما ساحة الاشتباك هي الخليج أن يكون ما ينتظرونه خليجياً، والأكيد أنهم لا ينتظرون من إيران القوية والمقتدرة تنازلاً بل تقديم منصة تتيح الذهاب لتسوية يملك كل فريق أن يوصفها تغييراً في سلوك الفريق الآخر، والساحة الخليجية التي تختزن قضايا متفجرة كملف النفط والحشود العسكرية، تختزن أيضاً قضية بلغت سقف قدرة العالم على التحمل، وهي الحرب الظالمة التي تشنها السعودية والإمارات على اليمن، والتي سبق للأميركيين أن بادروا على جبهتها، سعياً للتهرب من تداعياتها عليهم، بفتح باب التفاوض غير المباشر مع أنصار الله، تسليماً بكونهم طرفاً إقليمياً فاعلاً وبفشل الرهان على الحرب لكسر إرادتهم، ما يعني جهوزية أميركية إيرانية لتحويل ملف الحرب اليمنية إلى مدخل جدي لمسار معاكس.

– ما شهده الملف السوري من إقلاع الخطوة الأولى نحو الحل السياسي من بوابة اكتمال عقد اللجنة الخاصة بالسدتور، يقول إن التوافق من موقع الاختلاف ممكن، وإنه حيث تستعصي تسويات التراضي يمكن فتح الباب لتسويات التغاضي. فالأميركيون الذين لم يكونوا شركاء مباشرين في تشكيل اللجنة الدستورية لسورية، طرف يملك حق الفيتو على كل خطوة أمميّة، وما كان للجنة أن تبصر النور بدونهم، ومثلهم الإيرانيون كشركاء كاملين في مسار أستانة. وهذه بداية تسوية بالتغاضي قابلة للتعميم على اليمن، بمعادلة وقف استهداف العمق السعودي مقابل فتح مطار صنعاء، كنقطة انطلاق لإحياء المسار السياسي، الذي سيعني عملياً فرصة لتراجع أميركي عن حزمة العقوبات الأخيرة تحت شعار أن إيران تغير سلوكها، وفرصة لقبول إيران بالتفاوض مع الأميركيين بدعوة فرنسية لأطراف معادلة الخمسة زائداً واحداً، والبحث بالإضافات والتفاصيل التي قال الإيرانيون إنهم مستعدون لها، وبالتوازي قيام أوروبا بما عليها من موجبات في الاتفاق النووي تطلبها إيران لوقف التصعيد.

– ما لم يحدث هذا، وأغلبه صار مسؤولية سعودية، فإن جولة تصعيد كبرى تنتظر، سيكون ما جرى مجرد تمهيد لها، وسيكون عنوانها تخبزوا بالفراح .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى