هند مرشد لـ«البناء»: أكتب للشغف في ذاتي وأخاطب الإنسان في النفوس

حاورتها: ناريمان نهيل عبيد

دمشقيّة الميلاد إقامة ومولداً وهوىً. الشام عشقها الأزليّ، ورغم كل ما حدث فيها لم تتزحزح أبداً، حتى أنها لم تسافر خلال الأزمة إلا الى لبنان لتطمئن عن وحيدها وحفيداتها، فدمشق لم تغادرها ولن تغادرها.

الإعلامية والروائية هند مرشد في حوار من القلب للقلب، متحدثة عن تجربتها الأدبية شعراً ورواية وقصة، وعن ربع قرن في الإعلام، وعن حكمة الحياة في الزواج والفقدان والأسرة والأسئلة التي تنتهي.. كل هذا وأكثر في الحوار الآتي..

تقول بهدوء وهي ترى داخلها ونفسها: زوجي استُشهد في الحرب الأهلية سنة 1983 هو الشهيد كمال ملاعب كان مسؤولاً عسكرياً في منطقة الجبل أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان، بعد استشهاده جئت وابني الوحيد إلى دمشق لأقيم مع الأهل، رغم أن لديّ جنسية لبنانية.

وعن بدايتها، تقول أنا لستُ شاعرة بل ما زلت طفلة أحبو على رصيف الأبجدية. لكن بداية الأحداث في سورية وكميّة الألم الذي أصابنا به جعلني أعبّر عن مشاعر الإنسان كلّها وأكاد أنسى نفسي ووجعي. وتوجّه اهتمامي إلى النشر على مواقع التواصل الاجتماعي. وبما إني إعلامية سابقة، عملت في وكالة سانا للأنباء محررة لسنوات عديدة وقدّمت استقالتي في فترة زواج ابني لأتفرّغ للأمور العائلية.

وعن تخصّصها وميدان عملها تشرح أنها حائزة على دبلوم إدارة مكتبات في مكتبة الأسد وأمينة مكتبة في وزارة الإسكان، وتركت الإعلام لتتفرّغ لكتابة رواية. وخلال عملها كإعلامية كانت تنشر دوريّات في جرائد «تشرين» و»الثورة» و»البعث» ومجلة «الموقف الأدبي». وعملت في مجلة «أيام الأسرة» كمراسلة، وكانت تعمل لقاءات بعيدة عن السياسة مع سياسيين ونواب ووزراء وفي بداية عملت في صحيفة أبيض وأسود كانت مجلة سورية سياسية مستقلة.

وتضيف: كان لديّ عمود شهريّ أنشر فيه لقاء مع سياسيين. وكنت مراسلة لمجلة عالمية لبنانية «علمونا» ومجلة فنون الكويتية وفي مجلة «الراية». رغم أني متخرجة في مجال الحقوق لكني عملت 25 سنة في الإعلام. وعندما استقلت لأتفرّغ لكتابة رواية تفاجأت أني أكتب شعراً. في بداية الأزمة كتبت عن همّ الفتاة المرأة الأنثى وهمّ المواطن.

وحول علاقتها مع مواقع التواصل قالت إن لديّها صفحة رسميّة باسمها هند مرشد. وتضيف: لستُ أنا مَن أسسها بل مجموعة أصدقاء أتوجه لهم بالشكر الجزيل حتى بعض الأصدقاء قالوا لي «إن البعض يأخذ شعرك»، وحرصاً منهم أنشأوا لي صفحة رسميّة، رغم أني لا أعرف مَن هم بشكل مباشر. ويتولون نشر ما اكتب من شعر على صفحتي.

لماذا كنت تكتبين؟ سألناها. فقالت: كنت أكتب للشغف في ذاتي وليس بقصد أنشر شعري، لكن لحفظ حقوقي حسب نصيحة الأصدقاء أقاموا لي الصفحة الرسمية. وجمعت شعري وطبعت أول ديوان اسمه «همس الأصابع» في 2016 وهو عبارة عن نصوص شعرية نثرية بعيد عن البحور والأوزان.

ومَن تخاطبين في شعرك؟ أسرّت لنا أنها تخاطب الإنسان. ولكن الرجل أكثر بسبب وفاة زوجي في مرحلة مبكّرة من عمري ولم أقضِ معه إلا خمس سنوات فقط بسبب الحرب. وتركت أنا وطفل عمره ثلاث سنوات وكانت أحلام الفتاة تبدأ بعمر 23 سنة، بينما أنا في هذا العمر أحلامي كانت منتهية. فجأة وجدت نفسي أرملة وأماً ووقع الحياة كان قاسياً عليّ. كنت أخاطب نفسي ما الحكمة من ذلك؟ لماذا حصل ذلك لي؟ أخاطب إنسانية. أخاطب المرأة العاشقة، الوفية، المهملة، المعنَّفة. أتكلّم بلسان كل امرأة بجميع حالاتها.

وعن مؤلفأتها ودواوينها، حدثتنا بقولها: ألّفتُ كتاباً ثانياً «أنثى وارفة الظلال» سنة 2018. وكتاب قيد الطباعة اسمه «رواية الصمت» خلال شهر سيصدر إن شاء الله. ومجموعة قصص قصيرة للكبار. نشرتُ أول قصة في مجلة «صوت فلسطين» من ثلاثة أجزاء وعنوانها «ذكريات عن حرب لن تنتهيَ بعد» تتكلّم عن معاناتي من فقدان زوجي. أصبحتُ أكتب قصصاً قصيرة إنسانية عن الواقع الذي مررنا به، ولكن لم أنشرها بعد. وكتبتُ ديواناً يخص الأزمة السورية بعنوان «الوطن» لم أنشره بعد. أتكلم فيه عن معاناتي ووجع الوطن. كتبتُ لدمشق وكل شيء يخصّ دمشق لكن قريباً سأنشره.

وعن المعارض التي شاركت فيها ومشاركاتها الأدبية والشعرية وحول الإقبال على معرض الكتاب بناء العقل في مكتبة الأسد، قالت إنها شاركت في معرض الشارقة ومعرض الكتاب في مكتبة الأسد. وشاركتُ في أمسية شعرية في احتفال بتوقيع كتاب لي في لبنان «سيدات فالوغا» أول ديوان هو همس الأصابع وكان ناجحاً جداً. وأمسية شعرية بالسويداء للتوقيع الكتاب الأول والثاني.

يوجد إقبال وشيء يفرّح القلب وتوجد مؤسسة تحترم الكتابة والشعر والكاتب. ورغم أنه توجد بلاد تنعم بالأمان لكن لا يوجد معرض للكتب فيها. أما بلدنا سورية فهي قبلة التاريخ ومؤسسة الثقافة في العالم، رغم ما ذاقته من ويلات الحرب لأنه شيء رائع ما تقوم به مكتبة الأسد الوطنية ونفتخر به. وأنا أشجّع على نشر الكلمة مهما كانت بسيطة، لأني أحترم مَن يكتبها وينشرها.

وهذا تقليد حضاري جداً تقوم به مكتبة الأسد وبرأيي السلاح الوحيد ضدّ كلّ أنواع التطرّف والإرهاب هو القلم. وإذا لا يوجد قلم فلا نقدر على المقاومة. ليست البندقية التي تقتل لكن في بعض الأحيان الحرف هو الذي يقتل في الصميم.

وعن مشاريعها الأدبية المقبلة وماذا ترغب بقوله، أجابت: أريد أن أكمل روايتي وهي سيرة ذاتية من خلال معاناتي مع الحياة مع الفقر والحاجة اسمها امرأة الخيبات. وأريد أن أتكلم عن الميديا والتواصل الاجتماعي فقد الكتاب فائدته واستغرب مَن يقول لي إني قرأت كتاباً عن الشاشة. أنا لا أقدر أن أقرأ إلا من الكتاب وأشم رائحة الورق. وأحسّ بنفس الكاتب فيه لأجد متعة في قراءته. وقد زرت أوروبا خلال عملي لا زالوا محافظين على القراءة رغم أنهم بلاد إنتاج التكنولوجيا. إنهم يقرأون في محطة الأوتوبيس والمترو، ورغم ذلك لم تفقدهم التكنولوجيا فائدة قراءة الكتب. وإني أحزن على الجيل الجديد وواقعه ومصيره. نحن عشنا المرحلة الذهبية من الثقافة والأدب والكتابة. عصر نزار قباني، محمد الماغوط، محمود درويش، البياتي وبدر شاكر السياب عشناهم عاصرناهم. وهذا الجيل لا يعرف عنهم شيئاً.

وعن الكتّاب والشعراء الذين تأثرتْ بهم، أوضحت: كانت بدايتي في الكتابة لهند قباني بالنَفس ذاته للشاعر نزار القباني دمشق الياسمين. لكني أخاطب الرجل عكس شاعرنا نزار القباني الذي فقط يخاطب الأنثى. ومن الكاتب ديستوفسكي وأحلام مستغانمي والكاتبة غادة السمان والكاتبة فاطمة النابلسي وكوليت الخوري. ومن الشعراء بدر شاكر السياب، عبد الرحمن منيف، حنا مينا، أحمد مطر، والكاتب اللبناني أمين المعلوف الذي تربّيت على يده بقراءة مؤلّفاته.

في عصرنا هذا لم يعُد هناك شعر للأسف. لم يعد هنالك حالات إبداع. هؤلاء الكتاب والشعراء حالات استثنائية لن تتكرّر.

وبما أن الكتاب فقد مكانته كيف مستقبل الشعر والكتابة، قالت: أنا لست شاعرة، لكن أستمتع بقراءة الحرف الجميل إن كان شعراً أو قصة أو رواية. أحب الرواية تأخذني معها وأعيش مع تفاصيلها. والشعر الذي في صورة المقفى والأوزان، رغم جزالة الحرف والمعنى، لكنه يقيّد فأجد في كتابة الشعر النثري يُعطيني حرية في التعبير وصورة.

وعن علاقتها بالناشر والدار، قالت لا يوجد لديّ دار معينة. أول كتاب طرحته كان لدار بعل. ثاني كتاب من دار «العراب». أما كتابي الثالث من دار البلد بالسويداء. أي دار تحترم كتابتي وتقدّر الحرف ممكن أن تطبع لي.

وعن حنينها إلى الإعلام والتحرير، قالت بحسرة، قد قدّمت لي عروض كثيرة وفرص، لكن لم أقبل لأنه لا توجد صناعة للإعلام فقط ننقّح النصوص، وكأني أعمل في ديوان ولستُ محرّرة. أنا أحب أن أعطي فكري ورأيي. رغم أن الإعلام هو سلطة رابعة، لكن للأسف لم أشعر بذلك.

بينما الشعر هو العودة إلى الذات. وأنا منذ الصغر أكتب. ليس هدفي النشر والشهرة، بل أن أكتب الكلمة الجميلة. وهذا العمل لا يردّ عليّ مبالغ مالية، بل أحياناً أدفع من حسابي الخاص. ومعظم مؤلفاتي أوزعها هدايا على معارفي. لا يوجد مردود مادي لأنه لا يوجد قراء في هذا العصر. لما كنّا في الجامعة كان الكتاب القيّم يدور على الطلاب جميعاً ليحصّلوا المعرفة منه حتى كنا نأتي ببعض الكتب من لبنان لنستفيد منها. فعندما غزت التكنولوجيا حياتنا لم يعد هناك قراء.

ووجهّت كلمة أخيرة مختصرة ومكثفة هي: القراءة ثم القراءة ثم القراءة، لأن الشعب الذي لا يقرأ شعب فاشل. لا زالت أوروبا محافظة على الكتاب رغم كل التقدم.

وإن شاء الله يكون لدينا إنتاج جديد وشعراء جدد في مساحة من الحرية وهامش من الإبداع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى