اللجان المشتركة بدأت دراسة اقتراح التنمية والتحرير والفرزلي: النقاشات هادئة وراقية خواجه لـ«البناء»: اقتراحنا مفتاحٌ إصلاحي لتطوير النظام السياسي والحياة العامة
محمد حمية
لم يُسجِل تاريخُ لبنان وتحديداً ما بعد اتفاق الطائف أن طُرح قانون الانتخاب على بساط البحث بشكل جدّي، إلا في ربع الساعة الأخير قبيل الانتخابات النيابية. إذ تُفرض خيارات سيئة على اللبنانيين مثل قوانين قديمة كالستين وقوانين معلبة ومُفصلة خارجياً على قياس زعامات، أو الذهاب عنوة الى التمديد كما حصل منذ 2008 حتى 2018 أو يُستدرج جميع «اللاعبين» الى القانون المعروض رغم مساوئه كما حصل في القانون النافذ حالياً لتجنب كأس التمديد.
رئيس المجلس النيابي نبيه بري عبر كتلة التنمية والتحرير كان طليعياً في استشراف المستقبل وفتح «معركة» قانون الانتخاب مبكراً قبل ثلاث سنوات من الاستحقاق النيابي المقبل، وقدم اقتراح قانون يحمل فلسفة سياسية واضحة مع آلياته التقنية والقانونية وعرضته «الكتلة الخضراء» على مجمل الكتل والقوى الممثلة في المجلس وتسعى الى توفير أغلبية نيابية لإقراره. تركز اقتراح التنمية والتحرير على النظام النسبي في دائرة واحدة، من دون الصوت التفضيلي مع احترام مبدأ المناصفة وإدخال إصلاحات جوهرية كاعتماد «كوتا» نسائية 20 مقعداً الزامياً.
فما هي المنطلقات السياسية لهذا الاقتراح وهل يملك فرصاً حقيقية ليتحول الى قانون؟ وما هي مواقف الكتل؟ وهل ينجح رئيس البرلمان و»حليف وملجأ الكُل» في تحقيق الإجماع حوله؟ وهل فعلاً القانون الحالي أفضل الممكن ولا يمكن الذهاب أبعد منه في ظل الظروف الحالية والاقليمية الراهنة؟ وما هو البديل؟ وهل يمكن تحقيق الإصلاح المنشود في النظام السياسي بلا تغيير قانون الانتخاب الحالي؟ لم يكن طرح الرئيس بري مجرد ترف سياسي أو تشريعي او مصلحة حزبية او طائفية، بل لطالما انطلق بمواقفه واقتراحاته وحلوله من المصلحة العامة، فرئيس المجلس بخبرته وحنكته السياسية الطويلة وأدواره المتعددة الموزعة على حدود الوطن وقلبه، يرى بمنظاره خللاً فاضحاً في بواطن القانون الحالي وأنه قانون أرثوذكسي مقنع أو نسبية مشوهة ومفرغة من جوهرها، فكيف ننشُد الإصلاح وكل طائفة تنتخب نوابها!
ولا يرى بري سبيلاً لإخراج الوطن من محنته وأزماته المتتالية إلا بقانون انتخاب عصري يأتي على مقاس لبنان وينتج تمثيلاً عادلاً وصحيحاً، فالصوت التفضيلي يشرذم المواطنين ويضرب مبدأ المساواة والعدالة ويعزز الطائفية وهذا ما أثبتته الانتخابات الماضية.
في المقابل لا تُخفي قوى سياسية مسيحية هواجسها حيال طرح رئيس حركة أمل وسط طغيان المسلمين على المسيحيين عددياً، فهذا القانون لا يناسب الديموغرافيا اللبنانية بحسب أوساط التيار الوطني الحر، لكن مصادر أمل تُلفت الى أن الخلاف على قانون الانتخاب كان سبباً بتأجيل الانتخابات مرتين كما أن اعتماد الوسائل الإلكترونية في عملية الاقتراع يلزمه تحضيرات مسبقة.
مناقشات اللجنة
على مدى ثلاث ساعات انكبّت اللجان المشتركة في المجلس النيابي على دراسة الاقتراح، ولفتت مصادر اللجنة لـ البناء الى أن الجلسة تميّزت بالهدوء والموضوعيّة والعلميّة دون أي كيديات سياسية ولا مواقف مسبقة، وقد تناوب نواب التنمية والتحرير على شرح القانون من جوانب متعددة ، وتشرح مصادر التنمية والتحرير لـ البناء تفاصيل الاقتراح موضحة أن المقاعد الـ 128 موزعة على مختلف الطوائف والمناطق والمذاهب، أما الأمور التقنية فقابلة للنقاش ونتركها الى حينه، لكن ما يهمنا توسيع الدائرة الانتخابية الى رحاب الوطن، لان ذلك يقوي مفاعيل النسبية وبالعكس كلما ضيّقنا الدائرة ذابت النسبية وفقدت أهميتها .
وسألت البناء نائب حركة أمل محمد خواجه، فأشار الى أن أهمية القانون أنه يحقق عدالة التمثيل ويحول لبنان الى دائرة وطنية كبرى لبناء وطن ويجدد الحياة السياسية ويحول النائب من ممثل عن مذهبه أو طائفته ومنطقته الى نائب للأمة، وبالتالي هو مفتاح اصلاحي لتطوير النظام السياسي والحياة العامة ، موضحاً أنه من المستحيل تطوير القطاعات الإنتاجية في ظل نظام طائفي قائم على الزبائنية . ويشير خواجه الى ان اعتماد الدائرة الوطنية الكبرى خطوة أساسية على طريق الدولة المدنية مع الحفاظ على المناصفة الطائفية والمذهبية وتشكيل مجلس الشيوخ ، لكن خواجه يستدرك بالقول فتح النقاش في قانون الانتخاب لا يعني أننا سنصل الى قانون بين ليلة وضحاها بل يحتاج الى نقاش طويل وتوافق .
وتتلاقى القوات اللبنانية مع التيار الوطني الحر في التمسك بالقانون الحالي واعتبار توقيت فتح هذا الملف غير مناسب، لكن القوات شددت في الجلسة على أن كل اقتراح يؤدي الى مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاح فنحن معه وباب النقاش مفتوح على أي قانون، ويشير أحد النواب القواتيين المشاركين في النقاشات لـ البناء الى أن الأولوية لإنقاذ الاقتصاد ومواجهة الهموم المعيشية ولسنا بحالة طوارئ لكي نركز الجهود على قانون الانتخاب رغم أهميته وضرورة تطويره في الحياة السياسية ، ويضيف: القانون الحالي جاء ثمرة اتفاق وتوافق جميع القوى السياسية ولم يضرّ بمصالح أحد الاحزاب او الطوائف بل حقق نقلة نوعية في تصحيح عدالة التمثيل لا سيما على الصعيد المسيحي، وبالتالي لا موجب للإسراع بتغيير القانون في ظل الاوضاع الاقتصادية الحالية ، لكن مصادر نيابية في 8 آذار ردت على القوات بالقول: لا يمكن مكافحة الفساد والإصلاح في ظل النظام الطائفي الحالي، ولا يعني نقاش قوانين الانتخاب إغفال الملفات الاقتصادية، فيمكن معالجة الأمرين بالتوازي .
وفي حين يرى حزب الله بحسب مصادره أنه ليس بعيداً عن الطرح الانتخابي لحليفه بري، يرى عضو كتلة المستقبل بكر الحجيري أن التوقيت مناسب جداً لطرح قانون الانتخاب على النقاش كي لا يداهمنا الوقت لا سيما أن القانون الحالي ليس مثالياً رغم انه حقق جزءاً من النسبية وعدالة التمثيل لكن يحتاج الى تعديلات تتعلق بالصوت التفضيلي الذي يعزز الطائفية والمذهبية ، ويذكر الحجيري بأن قانون النسبية مدرج في دستور الطائف كمقدمة لإلغاء الطائفية السياسية لكنه يحتاج الى متممات كقانون عصري للأحزاب ، ويعتبر ان اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة مع النسبية الكاملة هو قفزة نوعية تخفف العصبية الطائفية والمذهبية التي تمثل مشكلة النظام السياسي .
وعما اذا كان تيار المستقبل سيراعي حليفه في التسوية الرئاسية التيار الوطني الحر في ملف قانون الانتخاب، يشير الحجيري الى أن الوطن اولاً قبل التحالفات، ويوضح أن حتى التسوية السياسية مع التيار الوطني لم تحقق الاستقرار السياسي، فعند كل استحقاق نواجه أزمة وطنية تعطل المؤسسات والدولة، وما حصل من انشقاق عمودي في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب دليل على ذلك، فحتى الاحزاب المختلفة سياسياً تموضعت في خندق طائفي وهذا مؤشر خطير ، ويرى أننا بحاجة الى قانون جديد كمرحلة انتقالية لتطمين الجميع لاستكمال الطريق للوصول الى الدولة المدنية .
وترى مصادر التقدمي الاشتراكي أن النقاش المبكر حول هذا الامر ضروري وحيوي، لا سيما في ضوء الثغرات الكبرى التي ظهرت في القانون الاخير في ما يخص الصوت التفضيلي والتصويت الطائفي المقنّع الذي أمّنه هذا الصوت التفضيلي، بالاضافة الى تشويه مفهوم النسبية كما طُبّق في هذا القانون .
ويلفت الخبير الإحصائي في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين لـ البناء الى ان الاقتراح حقق نقلة نوعية: اولا الغى الصوت التفضيلي الذي يشكل أبرز عيوب القانون الحالي الذي حول الانتخابات من معركة بين اللوائح الى معركة بين المرشحين داخل اللائحة الواحدة، ثانياً يعتمد على الترتيب المسبق للفائزين وليس على اساس الصوت التفضيلي، ويعتمد دائرة انتخابية واحد بدلاً من 15 دائرة .
ولاحظ شمس الدين أن الاقتراح حقق اصلاحين اساسيين: تخصيص كوتا نسائية فوزاً وليس ترشيحاً فقط – وخفض سن الاقتراع الى 18 سنة كما أدخل إصلاحات بالإدارة والسياسية، عبر تشكيل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تشرف على العملية برمّتها من إعداد قوائم الانتخاب ولجان القيد والفرز وإعلان النتائج تكون بديلاً عن هيئة الإشراف على الانتخابات وبالتالي تبعد تأثير وزارة الداخلية عن الانتخابات على غرار الدول المتقدمة ، ويعتبر ان اعتماد هذا القانون سينقل لبنان الى مرحلة سياسية جديدة .
ووصف نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي النقاش بأنه من أرقى الحوارات التي دارت بين النواب ، وأعلن ان رئاسة اللجان المشتركة ستدعو الى جلسة ثانية في الوقت الملائم للاستمرار في هذا النقاش .