اقتراح بري… في بحر من الألغام المسيحية

هتاف دهام

لم يكن صدفة كلام نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي في حزيران الماضي حول أنّ اللجان النيابية ستدرس قريباً مشروع قانون جديداً للانتخابات النيابية تنتخب بموجبه الطوائف ممثّليها. فهذا الكلام أتى يومذاك بالتزامن مع جولة نواب من كتلة التحرير والتنمية على الأحزاب والقوى السياسية لوضعها في أجواء اقتراح القانون القائم على جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة مع النسبية الكاملة وإلغاء الصوت التفضيلي بهدف المحافظة على المناصفة وعلى التوزيع الطائفي والمذهبي في الانتخابات المقبلة.

يظنّ الفرزلي أنّ القوى المسيحية لن تسير باقتراح الرئيس بري، وظنّه في محله، فهو يدرك جيداً ما يسمّى بالهواجس المسيحية، وهو الذي طرح المشروع الأرثوذكسي على قاعدة أنه يحقق المناصفة ريثما يتمّ تطبيق المادتين 22 و95 من الدستور اللتين تدعوان الى تشكيل مجلس شيوخ بعد انتخاب أوّل مجلس نوّاب على أساس وطني غير طائفي.

وسط ما تقدّم، لا شيء يمنع القوى السياسية كافة من بحث اقتراح حركة أمل تحت قبة البرلمان، لكن النقاش شيء والموافقة والتأييد شيء آخر. فالتيار الوطني الحر متمسك جملة وتفصيلاً، والقوات بالقانون الحالي القائم على اعتماد النسبية والصوت التفضيلي الواحد مع تقسيم لبنان إلى 15 دائرة انتخابية، لأنه، بالنسبة اليهما، يراعي كلّ الخصوصيات والاعتبارات والمخاوف، علماً أنّ حزب الكتائب الذي صوّت ضدّ القانون المعمول به راهناً، لن يسير باقتراح حركة أمل بطبيعة الحال.

لم يترك هذا الاقتراح ارتياحاً عند التيار الوطني الحر، فإعادة النظر بالقانون الحالي لا تحظى بموافقته ، بمعزل عن انفتاح نواب تكتل لبنان القوي على النقاش داخل اللجان المشتركة، لأنّ القانون الحالي لم يطبّق بحذافيره، إنْ لجهة البطاقة البيومترية، والميغاسنتر، وانتخاب 6 نواب للاغتراب. وبالتالي فإنّ العمل يجب أن ينصبّ على استكمال تنفيذ هذه البنود ومعالجة بعض الثغرات لا أكثر ولا أقلّ، تقول مصادر نيابية في التيار البرتقالي لـ «البناء». فقانون الانتخاب الحالي نجح إلى حدّ كبير في تحقيق صحة التمثيل التي نريد المحافظة عليها. ولذلك فإنّ طروحات الذهاب إلى صيغ تعيد النظر بالنظام الانتخابي يجب أن تكون مصحوبة بتشكيل مجلس للشيوخ يتمتع بصلاحيات، بما معناه استكمال تنفيذ بنود الطائف. وعلى هذا الأساس يقول النائب ماريو عون لـ «البناء» كفانا انقسامات وانشقاقات، فطرح لبنان دائرة انتخابية واحدة ليس على مستوى قبول الأفرقاء السياسيين، والبلد يعيش أزمة اقتصادية تتطلب وحدة وطنية للخروج منها.

وليس بعيداً، فإنّ قانون الانتخاب، بالنسبة لحزب القوات، لا يمكن أن يكون قانوناً عادياً، فهو ميثاقي بالدرجة الأولى، انطلاقاً من أنّ لبنان بلد قائم على العيش المشترك وينص دستوره على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين وبالتالي يفترض بأيّ قانون انتخابي أن يعكس صحة التمثيل الفعلي الذي لم يراع منذ العام 1990 حتى العام 2018. ولذلك فإنّ القانون الحالي هو أول قانون منذ العام 1990، يأتي مطابقاً للدستور ولميثاق العيش المشترك، ويصحّح الخلل، في حين أنّ كلّ القوانين التي جرى العمل بها كانت جائرة، وكان الهدف منها، بحسب مصادر معراب لـ «البناء»، ضرب التمثيل المسيحي في لبنان لأهداف سياسية.

لا شك في أنّ قانون الانتخاب هو لاستحداث السلطة، عبر انتخابات برلمانية تنتج مجلساً نيابياً، ينتخب بدوره رئيساً للجمهورية وتتألف حكومة على أساسه، وبالتالي فإنّ هذه السلطة هي التي ستدير البلد، ولذلك فإنّ حزب القوات، وفق مصادره، يرى أنّ جوهر البحث يجب أن يركز على مراعاة صحة التمثيل. فخارج هذا المعيار، يرفض تكتل الجمهورية القوية أيّ نقاش، خاصة أننا عانينا الأمرّين من أجل الوصول إلى قانون يعكس صحة التمثيل، ولذلك يتمسك حزب القوات بالقانون الحالي، ويرى أنّ أيّ ثغرات شكلية أحاطت به، يمكن معالجتها بالحوار، بيد أنّ اقتراح الرئيس نبيه بري لا يؤمّن التمثيل الصحيح هذا فضلاً على أنه لا يجوز مع كلّ انتخابات وسلطة جديدة وموازين قوى معينة الذهاب إلى إقرار قانون جديد، إذ يفترض أن يحكم أيّ قانون انتخابي دورتين انتخابيتين او ثلاثاً أو أربعاً وعندما ترى القوى السياسية أنّ هذا القانون لم يعد يعكس صحة التمثيل المطلوبة يصار إلى تغييره.

يبقى الأكيد بالنسبة لمعراب، أنّ القانون الانتخابي جزء لا يتجزأ من الاستقرار السياسي، وتغييره لا يعني سوى أننا في مرحلة اللااستقرار، مع العلم أنّ قانون الانتخاب يشكل ملفاً حساساً لطالما أحدث انقسامات سياسية، ولذلك، فإنّ القوى السياسية، بغنى عن أيّ موضوع خلافي في ظلّ الأزمة الاقتصادية العصيبة المستحكمة بالبلد. فالانهيار وشيك في حال لم يصَر إلى اتخاذ تدابير وإجراءات عاجلة من أجل إخراج لبنان من أزمته. ولذلك المطلوب راهناً وبإلحاح التفرّغ لوضع خريطة طريق اقتصادية تخرج لبنان من أزمته المالية والاجتماعية.

أما على خط بكفيا، فإنّ حزب الكتائب يبدي عدم موافقة على هذا الاقتراح، أسوة بالقانون الحالي الذي لم يصوّت لصالح إقراره، فهناك جملة ملاحظات حول الاقتراح كان النائب سامي الجميّل قد أبلغها لوفد التحرير والتنمية عندما زاره في الصيفي، وهي تقنية وسياسية وتتمثل بصعوبة وتعقيدات تطبيقه على المناطق والطوائف. ومن هذا المنطلق تقول الكتائب، بحسب عضو المكتب السياسي سيرج داغر لـ «البناء»، إنّ اقتراحها الانتخابي القائم على الدائرة الفردية وعلى أساس صوت واحد للشخص الواحد يعتبر الأفضل لأنه يحقق التمثيل الصحيح والتعددية داخل الطوائف ويعزّز الديمقراطية على عكس لبنان دائرة انتخابية واحدة الذي من شأنه أن يعزز حضور طائفة على حساب طوائف أخرى، مع تشديد داغر على أنّ الكتائب لا يشيطن النسبية، لكنه يرى أنها لا تصحّ بالتوازي مع اعتماد المعايير الطائفية والمناطقية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى