عون يلاقي الأسد والنيات «مشتركة»

روزانا رمّال

الساحة السياسية اللبنانية الغارقة بحسابات اقتصادية وتطلعات إنقاذية وتهديدات مباشرة حيال صمود وتوازن بنية البلاد مالياً، تعيش انقساماً واضحاً حيال أزمة النازحين السوريين وتجد في هذا الملف جزءاً لا يتجزأ من اصل المشكلة التي تصيب العجز بالموازنة مع أن هذا الملف، اي النزوح، يعتبر ملفاً طارئاً لا علاقة له بعجز لبنان لعقود به.

أهمية الملف انسحب على كونه اولوية تُبحث على جدول اعمال رئيس الجمهورية ميشال عون في كل زيارته الخارجية ولقاءاته مع رؤساء العالم. فبين زيارة عون لروسيا ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين منذ اشهر وبين لقاءات وفود دولية في قصر بعبدا ومراسلات واتصالات فإن جهد عون المكثف مع المجتمع الدولي لا تتصدّره أي أولوية عدا إيجاد حل مناسب للأزمة.

استبشر عون خيراً كأغلب اللبنانيين مما صدر عن قمة هلسنكي الأميركية – الروسية التي اطلقت مبادرة عودة النازحين السوريين «قبل» ولادة الحل السياسي في دمشق على أساس أنها مسألة دولية أرهقت دول الجوار السوري برمّته وتكاد تؤثر على الامن الأوروبي، بما فيها من ضغط باتجاه الهجرة عبر البحر المتوسط الى العمق الأوروبي، اضافة الى موجة من التفجيرات الارهابية التي اجتاحت اوروبا في تلك الفترة الامر الذي لم يعد ممكناً تأجيله. لطالما اشارت اجواء بعبدا الى التزام كامل بكل مضمون يؤكد على التزام لبنان بالقوانين الدولية والاتفاقات والمعاهدات التي لا تجعل منه طرفاً مستفيداً بل طرفاً متلقفاً ومعالجاً لحاجات داخلية بدون أن يعتبر طرفاً في ازمات العالم ولطالما انتظر اللبنانينون حلولاً واضحة.

مصدر دبلوماسي روسي رفيع تحدّث عن أحد اسباب تباطؤ العمل في المبادرة الروسية وهو التمويل العربي وتحديداً الخليجي غير المتوفر. فأي من الدول لم تعبّر عن رغبة بتمويل المبادرة التي تحتاج أولاً وأخيراً الى مال حسب المصدر وبمعنى آخر لا يوجد حتى اللحظة من عرض امكانية المساهمة وكأن الأمور أعيد تركها لإيجاد حل نهائي.

في هذا الوقت تقدّمت كل من الامارات العربية المتحدة والسعودية نحو دمشق الأولى بفتح سفارتها والثانية بتواصل موجود لا ينفيه مصدر سوري رفيع لـ»البناء»، ومع ذلك لا يزال الداخل اللبناني المتمثل بالحكومة اللبنانية رسمياً غير مرحب بتواصل مباشر مع سورية، اذا لم يتم ذلك عبر اعلان عربي خليجي واضح يكون لبنان آخر المنضمّين للمتقدمين نحو سورية، فلا يتحمل تبعات موقف من هنا او عتب من هناك وربما أزمة تلحق بأطراف محددة وتحالفاتهم.

الاتكال على المجتمع الدولي صار بالنسبة للبنانيين ضرباً من الخيال في هذا الملف، لكن المشكلة الاساسية صارت في تكوين أرضية واضحة لأزمة اجتماعية أنشأت حالة مقيتة من «العنصرية» لدى بعض الشرائح في لبنان، ما يتطلب حلاً سريعاً من الطرفين السوري واللبناني، ولو كان مبادرة ثنائية بمعزل عن كل ما تعد فيه الدول التي تعرض على لبنان المساعدة.

يجزم احد الخبراء الاقتصاديين فرضية استخدام ورقة النازحين كورقة ضغط على المجتمع الدولي لبنانياً لتقوية «حجته» الضعيفة وتبرير عجزه امام انهيار اقتصادي أسبابه سياسية محلية بامتياز، لكن ورقة النازحين هي نقطة فاصلة في ملف قبول إمداد لبنان بالقروض من عدمها، وسيدر واحد منها. وعلى هذا الأساس فإن فكرة الحديث عن جهات ترغب باستخدام هذه الورقة لغايات مالية هي حقيقة لا لبس فيها.

وبالتطلع الى المشهد السياسي العام محلياً، يجمع خصوم سورية في لبنان ككتائب وقوات لبنانية واشتراكيين على أنّ الرئيس الأسد لا يرغب بإعادة النازحين الى بلاده. وهناك أحد المواقف الذي تحدث أنّ الرئيس الأسد يريد إخضاع العودة لما يسمّونه بالعوامل الديمغرافية في سورية، على أساس انّ اغلب مَن نزح الى لبنان والجوار هم من فئة عارضت الأسد، وبالتالي يصبح المؤيد لسورية الأوفر حظاً للبقاء هناك وانتخاب الأسد من جديد.

فرضية لا تروق لمؤيدي سورية وانتصارها الذي يعتبرونه مفصلياً في محور انتصر وسيطر إقليمياً، وبدأ بجني ثمار هذا التقدم وهم يعتبرون أن سورية بدأت إجراءات حقيقية لاسترداد مواطنيها بين إعفاءات وإجراءات واضحة اعلن عنها الرئيس الاسد واللافت أنه اعلن صراحة امام وفد برلماني ايطالي ان الدول التي شاركت بالاعتداء على سورية وجزء منها يقطن فيه نازحون سوريون لا تريد إعادة النازحين الى سورية.

كلمة الرئيس ميشال عون أتت هذه المرة لتكون مفصلاً سياسياً بعيد الرسائل. أولها انه طرح وللمرة الاولى ان لبنان قد ينتقل الى خطة مباشرة وهي التواصل مع سورية من اجل تحقيق انجاز اكبر واكثر جدية في ملف اعادة النازحين وتحريك العجلة البطيئة وبدون انتظار اي حل سياسي. اما الرسالة الثانية للداخل اللبناني فتتمثل بإعطاء مصداقية لكلام الرئيس السوري والموقف السوري الرسمي حيال رغبة سورية بإعادة النازحين وذلك من على منبر الامم المتحدة قائلاً «إن شروط هذه العودة أصبحت متوافرة، فالوضع الأمني في معظم أراضي سورية، وفقاً للتقارير الدولية، أضحى مستقراً والمواجهات العسكرية انحصرت في منطقة إدلب، وقد أعلنت الدولة السورية، رسمياً وتكراراً، ترحيبها بعودة أبنائها النازحين».

يُفهم من كلام عون تأكيد واضح على ان الرئيس السوري وليس كما تطرح بعض مصادر القوات اللبنانية وباقي الأطراف المؤيدة استراتيجياً لموقفها ليس هو الجهة التي تعرقل العودة، بل هي التي ترحب بها. وهذا من شأنه ان يضع لبنان امام خيار التقدم الجدي نحو تواصل مع دمشق في هذا الملف بعد اجتماع النيات وتزخيمها من الطرفين والأهم تصديق رغبة الطرفين، وهو نصف الطريق ربما.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى