استهداف الحريري لا العهد

روزانا رمّال

لا يختلف اثنان على سوء المشهد المحلي السياسي وعلى رؤية الولايات المتحدة تحديدا للوضع الدائر في لبنان وان اغلب المبعوثين الأميركيين «بيلنغسلي شينكر» يعودون لواشنطن بانطباع وحيد ألا وهو سيطرة حزب الله وحلفائه على الساحة السياسية اللبنانية. وعلى هذا الاساس من الصعب اعتبار التقبل الأميركي لهذا الوضع ومعه الخليجي هو أمر واقع وحقيقة مثبتة لن يتقدم عليها أي فرضية تغيير او اعادة تموضع سياسي في بلد هش كلبنان.

حادثة قبرشمون هي واحدة من الفرص التي كادت تكون محطة قادرة على أخذ مجرى المشهد الحكومي نحو المجهول ومعه المشهد السياسي ولو كان القرار الخارجي حينها التصعيد واستغلال المشهد بالقدر الممكن لكانت الحكومة اليوم في خبر كان، إلا أن المشهد الاقليمي الذي لم يأخذ نحو التصعيد بالخليج والذي سقطت معه إمكانية شنّ حرب على إيران هدأ مكابح الهجمة والحشد لاستهداف الصيغة الحالية. والمشكلة لم تكن الحادثة الامنية حينها بل هي لحظة اشتباك أتت بتوقيت زمني كان ممكن جعله مفصلاً في هذه المرحلة حتى أتت المصالحة التي ترجمت عدم استعداد الخارج لمغامرة محلية بشخصيات لا تملك أرضية انتصار او مواجهة او تحدٍّ في ظل الوضعين الداخلي والخارجي.

القطوع الأمني مرّ، لكن القطوع الاقتصادي أقسى من اي وقت هذه المرة. ولا يبدو انه سيمر بدون معرفة شكل الحل الواضح الذي يفتقده أغلب الخبراء والخطط الاقتصادية المطروحة. ومع كل هذا انتظار لوعود بقروض مؤتمر سيدر المشروطة والدقيقة. المشكلة أن الرئيس سعد الحريري وعد بأفق واسع من الحلول وبأكثر من 900 الف وظيفة. الامر الذي بدا مستهجناً، لكنه ليس مستحيلاً في ما لو عاش لبنان بعد الانتخابات النيابية ثورة من النهضة الاقتصادية وتزخيم الخبرات والابتعاد عن الكيديات. وكان ممكناً لولا مطبّات أعاقت العمل الحكومي وأغلبها سياسي وحادثة البساتين قبرشمون كانت تكفي لإعادة التذكير بهشاشة المعادلة.

الوضع المالي والاقتصادي المقلق وصرخة المواطنين اللبنانيين وأزمة المحروقات والمصارف لا يمكن فصلها عن عقوبات أميركية على مصارف لبنانية أو تهديد من هنا ووعيد من هناك. ولا يمكن فصلها أيضاً عن مبعوثين أميركيين يرون ان استهداف حزب الله يكون من البوابة الاقتصادية. هذه المرة بدون الأخذ في عين الاعتبار أن هذا الخيار هو خيار تدميري كامل للبنية الاقتصادية في لبنان لأن الثقل المالي الذي يخضع رجال الأعمال «الشيعة» وأغلبهم مؤيدون للثنائية الشيعية أمل حزب الله بدون أي تخفٍ، يشكل العمود الفقري لتماسك الوضع، ولا يمكن هنا الفصل بين الدولة اللبنانية وحزب الله. وهو الأمر الذي تدعو اليه جهات لبنانية وتطلبه من الادارة الأميركية على ما اكدت عليه مصادر «البناء» التي تترقب مزيداً من العقوبات التي قد تطال حلفاء حزب الله المسيحيين.

العرض السابق لما يجري بالساحة الداخلية يجده البعض ضرورة لاستهداف العهد والتخلص من تفوّق الرئيس ميشال عون محلياً، خصوصاً مسيحياً وما يعنيه ذلك من تفوق كبير لوزير الخارجية جبران باسيل. الأمر الذي لا يروق لدول اقليمية اساسية «خليجية». وقد كشف مصدر دبلوماسي رفيع لـ»البناء» ان هذه الدول غير راضية عن المشهد المحلي، وهي بصدد اجراء بعض التغييرات في صفوف مبعوثيها الى لبنان او ممثليها من دبلوماسيين او فرق استطلاع وتعتزم عدم ترك الساحة خالية لإيران، على حد وصف المصدر.

اللافت هنا او ربما المثير للتساؤلات هو ان هذه المعطيات تطرح التساؤل حول وضع الرئيس سعد الحريري من هذه المعادلة ومدى التمسك الأميركي السعودي به كرئيس للحكومة اللبنانية، لأن أي استهداف للعهد يعني استهدافاً للتسوية الرئاسية والحريري هو واجهتها والمعني الاول بها نظراً لتأثير رئاسة الحكومة وصلاحياتها وفعالياتها في إحداث تغييرات شاملة لا تشملها صلاحيات رئيس الجمهورية، كما ان استهداف الرئيس عون لن يوصل الى إسقاط رئاسته. وهذا ما لم يحصل في اشد واقسى الظروف التي عاشها لبنان منذ فترة 2005، حيث بقي الرئيس اميل لحود صامداً في قصر بعبدا رغم العزل، إلا ان الذي يمكن اسقاطه وسط كل هذه الضغوط وكل هذا الضجيج لن يكون الا سعد الحريري. فمن الذي يضحّي به وبلبنان ولمصلحة من الانصياع للضغوط الخارجية؟

لا يعيش الحريري مرحلة من الرفاه السياسي ولا يعيش ايضاً مع الانفتاح المتواصل مع التيار الوطني الحر وتحديداً باسيل أي تقدم في الساحة السياسية المتطرفة سياسياً التي لا تزال تجد في مواقفه خضوعاً كاملاً لبعبدا وتنازلات بالغنى عنها. وعلى هذا الاساس ترتفع اصوات مناهضة لسياسته من داخل تياره عند كل فرصة للتذكير بضرورة التفات السعودية الى مواقف الحريري والضغط عليه. ولا يخفى على احد في لبنان ان البدائل التي تطرح نفسها حلاً أفضل من الحريري سنياً كثرٌ والذين ينتظرون تعويم انفسهم ويتوسلون خراب المشهد كثر لهذا فان التساؤل صار حقيقياً حيال نيات البيت الواحد وحلفاء الحريري، ومنهم من يستهدف العهد يوميا كلاميا وسياسيا بين قوات لبنانية وحزب تقدمي اشتراكي وغيرهما، فأي استهداف للعهد هو استهداف لتسوية سيكون الحريري خارجها، وأي استدعاء للمزيد من الضغط الأميركي يوصل الى النتيجة نفسها اذا حل الخراب.

«اعتدال» الحريري يجعل منه الحلقة الاضعف وصموده بوجه الرياح المتجددة دوماً صار تحدياً كبيراً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى