المديرية العامة للتعليم المهني والتقني: مسيرة الإصلاح انطلقت… والنتائج واعدة

د. طوني كرم مطر

رغم انتشار موجة الفساد والهدر المستشري في المؤسسات العامة، هناك بقعة ضوء وإصلاح حقيقي بدأ مع تسلم الدكتورة هنادي بري منصبها كمديرة عامة لتعليم المهني والتقني بالتكليف، وبعد تكليفها بساعات قليلة طلبت من وزير التربية عدم صرف مستحقات أتعابها من الأموال المخصصة لرئيس اللجان الفاحصة، وجيّرت هذه المبالغ للمديرية العامة للتعليم المهني والتقني.

كما أطلقت بعد التكليف ورشة إصلاحية بدأت بالامتحانات المهنية التي لم تقبل أن ينجح فيها أيّ طالب غير مستحق عبر عملية الغش التي كانت تحصل سابقاً في أكثر من مركز امتحان، فجالت على كلّ مراكز لبنان. وتابعت المديرة العامة مسيرتها الإصلاحية بأن ألغت كلّ عمل تدريسي أو تدريبي يومي السبت أو الأحد وحصرت أيام التدريس والتدريب من الاثنين إلى الجمعة تطبيقاً للنظام الداخلي، وحيث أنّ الدوام في دوائر المديرية العامة للتعليم المهني كما في الدوائر الإقليمية للتعليم المهني في المحافظات من الإثنين إلى الجمعة، فإنّ هذه الخطوة من شأنها أن تضبط عملية الرقابة على التدريب والتدريس وتوقف تسجيل ساعات التدريب التي كانت تحصل سابقاً دون رقابة، وبالتالي فإنّ ضبط عملية تسجيل ساعات التدريس والتدريب بشكل تام، من شأنه أن يساهم في وقف هدر المال العام الذي كان يحصل سابقاً، إذ أنّ الأستاذ المدرّب الذي يدرّب طلاباً يومي السبت والأحد كان يعمل دون رقابة على الإطلاق.

كذلك فإنّ فرض دوام التدريس والتدريب من الإثنين إلى الجمعة وخلال 5 أيام فقط من شأنه أن يمنع أيّ أستاذ من تسجيل ساعات إضافية لم يدرّسها أو لم يقم بالتدريب خلالها.

ولرفع مستوى التعليم في معاهد ومدارس التعليم المهني فقد رفعت معدل النجاح إلى 10 من عشرين في كلّ المراحل والمستويات، كما رفعت معدل الإكمال إلى ٩ على عشرين، وهذا ما من شأنه أن يرفع المستوى التعليمي في كلّ الاختصاصات وفي كلّ المراحل والمستويات.

وطلبت من المدراء ورؤساء الدروس تقييم الأساتذة المتعاقدين ورفع تقارير أدائهم بشكل دوري للمديرية العامة، وهذا ما يعني جعل الأستاذ المتعاقد تحت الرقابة الدائمة مما يحفزه في عمله ليزيد من تحضيره، وهذا ما ينعكس إيجاباً لمصلحة طلاب التعليم المهني في كلّ لبنان.

ولمنع غياب الطلاب وللمزيد من الجدية، ولمنع تسجيل الطلاب دون حضور دائم فقد حدّدت النسبة القصوى لغياب أيّ طالب بـ 10 في المئة فقط ومن يتجاوز هذه النسبة يُطرد من المعهد او المدرسة، وهذا ما يجبر الطلاب على الحضور الدائم، وتحقيقاً لمبدأ العدالة الاجتماعية، ولكي لا يدرّس موظف رسمي متعاقد مع التعليم المهني أكثر من نصابه القانوني او يترك مكان وظيفته ليدرّس كمتعاقد، أو غير ذلك، فإنّ المديرة العامة د. هنادي بري طلبت تصريحاً واضحاً موقعاً من الأساتذة المتعاقدين عن جميع ساعاتهم في المعاهد والمدارس الرسمية الفنية والمدارس والثانويات الرسمية والجامعة اللبنانية والمدارس الخاصة. وهذا من شأنه أن يضبط الهدر والفساد المستشري، إذ أنّ بعض الموظفين يتركون مكان عملهم خلال فترة الدوام ليدرّسوا كمتعاقدين في التعليم المهني أو في أيّ مكان آخر، وقد يصل عدد ساعات بعض الأساتذة إلى حوالى ثلاثين ساعة، فيما هم موظفون حكوميون، ومعنى ذلك أنّهم لا يداومون على الإطلاق في مراكز عملهم الأساسية، ومن شأن هذا التصريح أن يجعلهم مسؤولين وحدهم عن مخالفاتهم إذا أخفوا أماكن عملهم الأصلية أو الساعات التي يقومون بتدريسها.

كما أنها قرّرت البدء بإعطاء الأساتذة المتعاقدين 300 ساعة بدلاً من 600 ساعة سنوية كحدّ أقصى تمهيداً لمشروع التثبيت الذي يتمّ الإعداد له.

وتخفيفاً للأعباء المادية ولوقف الهدر قرّرت د. هنادي بري عدم إعطاء أيّ استثناء لفتح صفوف جديدة بعدد طلاب دون الحدّ الأدنى، وتحويل طلاب الصفوف التي لم يكتمل التسجيل فيها إلى معاهد أخرى، وهذا يعني توفير حوالي 60 مليون ليرة عن كلّ صف يفتح دون الحدّ الأدنى المطلوب.

كما أنها تسعى جاهدة لإلغاء شهادة الإمتياز الفني التي مدة دراستها سنتان بعد البكالوريا وجعل الإجازة الفنية لثلاث سنوات متوالية. مما يريح الطالب إذ أنّ هدفه الوصول إلى الإجازة بثلاث سنوات كما الجامعة اللبنانية وسائر الجامعات الخاصة، كما أنه من شأن هذا القرار أن يوفر أموالاً طائلة على الخزينة التي تصرفها خلال امتحانات الدورتين للامتياز الفني كلّ عام.

وأخيراً وليس آخراً فإنّ المديرة العامة د. بري تسعى لتحسين مستوى التعليم من خلال تحديث مناهج التعليم المهني. كما من خلال إلزامية تقديم نماذج مسابقات لبنك الأسئلة في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني عن جميع صفوف الشهادات الموجودة في المعهد.

في المحصّلة نقول إنّ مسيرة الإصلاح والتحديث انطلقت في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني، وسيكون لذلك الأثر الكبير على شباب وشابات لبنان الراغبين بالتعلّم والتدرّب على المهن المطلوبة في سوق العمل اللبناني. خصوصاً بعد قرار وقف التوظيف في المؤسسات الحكومية، حيث لا يبقى أما الشباب والشابات إلا التوجه لدراسة اختصاصات معيّنة والتدرّب عليها لتأمين فرص العمل لهم جميعاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى