عملية «نصر من الله» اليمنية والسقوط السعوديّ الفضائحيّ والتداعيات؟

العميد د. أمين محمد حطيط

في معرض دفاعها عن اليمن قامت القوى اليمنية المشكلة من الجيش واللجان الشعبية بعملية عسكرية نوعية تكاد تكون من الوجهة العسكرية الميدانية الأضخم والأهم مما نفذ ضد قوات العدوان الذي تقوده السعودية ضد اليمن وتنفذه في إطار تحالف شكلته من قوى عربية بقصد وضع اليد على اليمن. وجاءت العملية بحجم وضخامة وعمق يتعدّى كل ما سبقها من عمليات ويفوق من حيث الأهمية العسكرية والقتالية عملية المسيَّرات اليمنية التي استهدفت أرامكو – بقيق منذ أسبوعين العملية التي شكلت يومها زلزالاً ضرب السعودية ومعسكر العدوان.

نفذت العملية التي وسمت باسم نصر من الله على مراحل بدأت الأولى منها في 25 أب /أغسطس 2019 الفائت وأدت إلى تحرير 350 كلم2 من أرض اليمن وسيطرة قوى اليمن الوطنية على 3 ألوية قتالية من قوى العدوان السعودي وتسبّبت في قتل وجرح 500 عسكري، منهم 200 قتلوا بنيران سلاح الجو التابع لتحالف العدوان كما وأسر 2000 عسكري ونيّف وتبين أن ألوية العدوان الساقطة بيد أهل اليمن مشكلة بنظام الاختلاط بالجنسيّات، حيث ينضوي فيها سعوديون تسند إليهم مراكز القيادة والسيطرة والمهام الدقيقة والحساسة ويقودون يمنيين مخدوعين ومضللين مع جنسيات أخرى التحق أفرادها تحت عنوان المرتزقة الذين جاؤوا من أجل المال الذي تغدقه السعودية تنفيذاً لخططها العدوانية على اليمن أي أن تشكيل الألوية الساقطة كان من يمني خُدع وأجنبي يرتزق وسعودي يأمر التشكيل من غير قناعة بالمهمة او إرادة قتال. وأبشع ما لوحظ في تشكيل تلك الألوية هو تجنيد الأطفال اليمنيين الذي لم يبلغوا الحلم ولم يدركوا الرشد بل سيقوا إلى حتفهم بقرار سعودي مجرم.

أما مسرح العملية الدفاعية تلك فقد كان على أرض يمنية في الشمال اختارتها قوى العدوان السعودي للتحشد والتجميع وتنظيم القوة المناسبة من أجل تنفيذ هجوم كاسح على الشمال اليمني عامة وعلى صعدة خاصة. ولصعدة كما يعلم الجميع خصوصية نظراً لأنها موطن ومنطقة أنصار الله الحوثيين. وابتغت السعودية من خطتها الهجومية أن تحتل صعدة بعد ان نفذت عليها خلال السنوات الخمس الماضية مئات الغارات الجوية ودمّرت بناءها وكادت أن تعطل الحياة فيها.

لكن أنصار الله الحوثيين الذي يمسكون بالأرض ويعملون في الدفاع وفقاً لخطة استراتيجية متماسكة مبنية على استطلاع واستعلام ومراقبة دقيقة للميدان، فقد وقفوا على النيات السعودية ونفذوا أكبر عملية استدراج استراتيجي في إطار الدفاع المتحرك، واستغلوا طبيعة الأرض الجبلية لمسرح العمليات وما تفرضه على القوى المتحركة فيها من ممرات إجبارية وتحديد محاور التقدّم، وقاموا بنشر جهاز دفاعي لاحتواء القوى المعدّة للهجوم، جهاز اختيرت عناصره من قوى يمنية متمرسة وذات إرادة قتالية فولاذيّة تحرّكها نفوس وقلوب ممتلئة بالعنفوان والشجاعة، ما جعل قوة العدوان السعودي التي وصلت في حجمها إلى 3 ألوية مشاة ومؤللة جعلها تسقط في قبضة رجال اليمن الأشداء الذين انزلوا بالعدوان كارثة عسكرية ميدانية عملانية واستراتيجية فريدة من نوعها تكاد تكون غير مسبوقة في التاريخ العسكري.

ومن جهة أخرى لا بدّ من الإشارة إلى أن وقائع العملية وأحداثها جرت بموازاة العمليّة الهجومية اليمنية الكبرى التي استهدفت أرامكو بقيق في السعودية العملية التي أدّت إلى تدمير جزء كبير من قاعدة النفط السعودية ما أدى إلى خفض إنتاجها من البترول بنسبة النصف تقريباً. وهي العملية التي جهدت السعودية وأميركا في السعي لإلقاء التبعة والمسؤولية فيها على إيران، اتهام توخّت منه قوى العدوان حجب انتصار اليمن والتعتيم على المستوى العسكري والقتالي الذي بلغته القوة المتصاعدة للجيش واللجان الشعبية اليمنية، ثم تهديد إيران لمنعها من الاستمرار في تقديم الدعم لليمن لمواجهة العدوان عليها.

وبقراءة تحليلية للعملية يمكن القول بأنها بمثابة الكارثة التي نزلت بالعدوان السعودي وتؤكد على ما يلي:

امتلاك اليمن بجيشه واللجان الشعبية إمكانات عسكرية عالية فاعلة، ما يمكنها من خوض المعارك الكبرى وتأمين مستلزمات النجاح فيها بدءاً من جمع المعلومات وتحليلها ووضع الخطط العسكرية التنفيذية الملائمة وتنفيذها بشجاعة واقتدار مؤكد، وإذا أجريت مقارنة تلك القدرات مع قدرات قوى العدوان لظهر التفاوت واضحاً لصالح اليمن رغم ما تملك قوى العدوان من أسلحة متطورة.

وهن قوى العدوان بقيادة سعودية. وترهّل بنيوي وضعف عضوي في تشكيلاتها وانعدام معنوياتها، حتى وصل الوضع إلى مستوى الفضيحة واجتمع عندها الانهيار الإدراكي مع الانهيار الميداني، وليس سهلاً أن يتقبل المراقب العسكري صورة الاستسلام الجماعي كما أظهرته الصور الموثقة وانهيار 3 ألوية قتال وأسر 2000 من عناصرها وسوقهم في الجبال كالقطيع، بعد أن غنمت القوى اليمنية منها الكثير من السلاح والآليات.

تكامل الأداء اليمني في نجران مع الأداء اليمني في بقيق وتناسق العمل الدفاعي المتحرّك مع العمل الهجومي البعيد المدى في العمق ليرسم للجيش واللجان الشعبية اليمنية صورة عسكرية فيها القوة المتناسقة المتكاملة من نار وحركة ذات الاقتدار العملاني الذي يمكن أصحابه من مواجهة أي ظرف في الميدان بثقة واقتدار في الهجوم والدفاع على السواء رغم السيطرة الجويّة للعدو.

تشكل تحوّل استراتيجي هام في الصراع على اليمن انتقل فيه الجيش واللجان الشعبية اليمنية من حالة الدفاع المحدود والقتال بالجماعات الصغيرة للإزعاج والتي تنفذ عبر الإغارات والكمائن الصغيرة والدفاع عن مراكز نقطية، إلى وضع الجيش القادر على الدفاع بالتشكيلات الكبرى بشكل مناطقي مساحي، أو الهجوم بالتشكيلات العسكرية العاملة بمبادئ التساند المتبادل بين الأسلحة والقادرة على مهاجمة تشكيلات بحجم لواء وفرقة ما يفتح الطريق أمام اليمن لتنفيذ عمليات كبرى وتحرير اليمن من الجيوش الأجنبيّة.

حجب ادعاءات العدوان وتخطّي مقولة مسؤولية إيران عن عملية بقيق وتهديدها بالحرب، فما حصل في نجران يفوق من الوجهة العسكرية العملانية بأهميته عملية بقيق رغم ما كان للأخيرة من مفاعيل وتداعيات استراتيجية بالغة الأهمية. وبالتالي ستؤدي عملية نصر من الله إلى طي صفحة بقيق من حيث المسؤولية، لأن مَن نفّذ عملية نصر من الله قادر بالتأكيد على تنفيذ عملية بقيق.

تأكيد مبدأ أن الإرادة والمعنويات هي مرتكز الجيوش والضروري للنجاح وأن السلاح لا يصنع جيشاً إذا لم تكن لدى عناصره القناعة والإرادة، وبالتالي تأكد مرة أخرى ان السعودية لديها بشر وسلاح وآليات ولكن ليس لديها جيش في مواجهة اليمن الذي ليس لديه السلاح الكثيف والمتطور ولكن لديه الإرادة والمعنويات وبها صنع الجيش الذي يحارب وينتصر في الهجوم والدفاع.

أما المفاعيل والتداعيات المنطقيّة لكل ما تقدّم فإننا نراها في:

السقوط النهائي الكلي لأي ظن أو فكرة بأن بإمكان السعودية أن تنتصر أو بإمكانها المحافظة على ما بيدها اليوم في اليمن ولا مخرج للسعودية من اليمن عبر القتال بل وحده الاعتراف بالواقع والإقرار بالهزيمة والعمل بالحل السياسي هو وحده يشكل لها حبل النجاة من أتون اليمن.

ظهور الحقيقة المرّة أمام المخدوعين من أهل اليمن وافتضاح أمر السعودية التي تستعملهم حتى ولو كانوا أطفالاً ثم تقتلهم إن لم يحققوا لها أحلامها وهو ما من شأنه أن يوقظ البعض ويجعلهم يتركون صفوف العدوان ويعودون إلى أهلهم في اليمن.

ارتفاع منسوب الثقة بالنفس والمعنويات لدى القوى الوطنية اليمنية التي دافعت عن اليمن طيلة السنوات الخمس والإحساس الصادق باقتراب يوم النصر الأكيد.

إنتاج بيئة مناسبة للمبعوث الدولي إلى اليمن للتحرّك من أجل إنهاء العدوان على اليمن بعد الصفعتين القويتين اللتين تلقتهما السعودية في بقيق ونجران مع وقف تدخل رعاة السعودية في عدوانها.

فهل يسود العقل والمنطق؟ أم تستمر السعودية في تعنتها وغيها والاستجابة لشهوات عقيمة تفاقم خسائرها وإذلالها في اليمن؟

أستاذ جامعي وباحـث استراتيجــي لبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى