قالت له
قالت له: عندما نحب نتغاضى ونتسامح عن الكثير ونثق بأن الأيام ستتكفل بتصحيح الكثير أيضاً، لأن الحب ساحر وقادر، لكننا بعد حين نتعلم أن التغاضي يزيد توسيع هوامش الشعور بالبعد أو عدم الرضى ويصير الكبت للاحتجاج تآكلاً في داخلنا، وإن بادرنا وتجرّأنا على المصارحة بدأ العدّ التنازليّ لحرارة الحب ودخلنا في دوامة المساءلة والحساب والحقوق والواجبات. وفي الحالتين يُشعرنا الحب أنه فقد الكثير بالصمت أو بالكلام. فهل هذا صحيح؟
قال لها: الأصح هو أننا عندما نحب ندخل التجربة بانفعال كبير وحماس ورغبة وشغف، وربما لا ندقق في الكثير، بل ربما نرى كل شيءٍ ببياض الثلج وتصير بعض نقاط الضعف مصادر قوة، وعندما نبدأ برؤية هذه الثغرات، فليس لأننا كنا قد تسامحنا بل لأننا كنا لا نراها، وقد بتنا الآن نخشاها. وهذا يعني أن جذوة الحب بدأت تبرد وليس قلقنا عليها من البرود يدعونا لفتح البحث حولها فنتخيّل أننا بين ناري الصمت الذي سيتكفّل بقتل المشاعر أو المصارحة التي ستفتتح مرحلة جديدة يحلّ فيها العقل وما فيه من برود مكان القلب وما فيه من حرارة.
قالت: إذن أنت ترى برود الحب قد حصل كلما بدأ العقل يشتغل، ولا تظن تدخل العقل سعياً لإنقاذ الحب من البرود؟
قال: أرى أن الحب له عقله الخاص الذي يشتغل معه منفصلاً عن عقلنا العام، وهو لا ينفكّ يقدم لنا التبرير والعذر لمواصلة السير في الحب بلا شروط، وعندما يدخل عقلنا العام فلأن مقاومة القلب لدخوله قد ضعفت. فبعدما كنا نستغرب ما يراه الأقربون منّا من مآخذ لا نراها صرنا نراها، لأننا احتكمنا إلى عقلنا العام بدلاً من عقل الحب الخاص وتلاقينا بالمعايير مع الآخرين فزال الوهج وذبلت الهالة وتراجع الإبهار. وتلك مرافقات يرسمها العقل الخاص حول من نحب ويرفض بعدائية كل محاولة لتنويره بتظهير العكس أو بالدعوة للتروّي والتمهّل، فيراها دعوات للإحباك يستسهل نسبتها لحسد الغير من حب استثنائي لا يتاح لهم مثله.
قالت له: إذن لأثبت حبي الآن يجب أن أصمت؟
قال لها: بل لأتبع قلبي يجب أن أثبت.
قالت: وعلى العقل أن يكبت؟
قال: وإن ثار العقل وانتصر صعب على بذار الحب أن ينبت.
قالت: أمجانين نبقى كي نكون عشاقا؟
قال: الحب جنون وإلا ماذا تعني حالات القلق والذعر عندما تصير أشواقا؟
قالت: ومتى صار البقاء عادة والصمت عادة والحب عادة صار المصير فراقا.
قال: ليس أكيداً، لكن لن يكون الحب دفاقا.
قالت: ونحن؟
قال: نترنّح بين هذه وتلك، ولا نريد أن نفكّ للحب وثاقا.
قالت: وهل تكون هذه نعمة أم نقمة أم استباقا؟
قال: هو الحب يكون تواقا.
قالت: أتتوق كي نتلاقى؟
قال: دعك من التحليل وهاتي عناقا.
وتعانقا ومضيا.