ترامب وأوباما ترجمة لقرار مؤسسة واحدة.. نحو التطبيع
روزانا رمّال
لطالما حاول رؤساء الولايات المتحدة الأميركية بناء خرائط من الطموحات السياسية الخارجية الوازنة، ولطالما كان خوض الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية بخطة خارجية تنطلق تحديداً من الشرق الاوسط وقضاياه، وهو أبرز ما كان يشغل كبار الرؤساء الذين شغلوا ادارة البيت الابيض.
جورج بوش الاب وبيل كلينتون وجورج بوش الابن وباراك أوباما، كل حسب مواقيته وأولوياته بنوا الحملة الرئاسية وشعاراتها، لكن المشترك بين الجميع تصدر قضايا الشرق الاوسط في اولوية المخططات الرئاسية وغالباً ما تحمل الدورة الثانية منها، فيما لو فاز الرئيس لدورة جديدة الثقل الأكبر في تطبيق الخطط هذه وهي التي تبقى في سجل الرئيس الأميركي وتاريخه.
نستذكر الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما الذي افتتح مرحلة جديدة من العصر الأميركي في الحوار والتغيير في نمطية العلاقة بين واشطن وباقي عواصم العالم. تجرأ اوباما على التقدم بما لم يكن بالحسبان نحو كوبا بعد 40 عاماً من العلاقات المقطوعة وتجرأ أيضاً نحو الملف الأخطر على الإطلاق بالنسبة للمؤسسة الأميركية الحاكمة والتي تعنى بأمن وأمان إسرائيل وهو التقدم باتجاه إيران حتى التوصل الى اتفاق نووي مع إيران شارك فيه الدول الخمس الكبرى في فيينا عام 2015.
اللافت حينها أن الرئيس دونالد ترامب الذي كان يتحضر للانتخابات الرئاسية بنى حملته الرئاسية على إعادة الولايات المتحدة عظيمة كشعار نافس به خصومه بشراسة. وهو انتقد باراك اوباما معتبراً اياه أنه قلص من مهابة أميركا بهذه الاتفاقات والحوارات وبهذه الليونة. وها هو اليوم تقدم على سلفه بالتوجه نحو المزيد من التقارب من خصومه وهو أصلاً دخل السلطة في أول مأزق سياسي كبير كاد يطيح بولايته الأولى من بوابة تواصل جرى بينه وبين الروس أدى الى تدخل روسي بالانتخابات الأميركية للمرة الأولى بتاريخها. وبعد ان تمت معالجة القضية التي أنهكت مخططاته وتعييناته داخل الإدارة، وكادت تحجب الثقة عنه توجّه نحو كوريا الشمالية وزار وخاطب وصافح الرئيس الكوري الشمالي. ومن ثم فتح باب الحديث حول إمكانية اللقاء مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، معتبراً أن الحوار بين إيران والولايات المتحدة الأميركية ليس مستحيلاً ولا مستبعداً.
اللافت في الحالتين أن المسألة لم تعد تتعلق بالأشخاص، لا بالرئيس باراك اوباما ولا بالرئيس دونالد ترامب بل باتت تعبّر عن حالة انكفائية سحبت الهجوم بكل جوانبه من التداول أهمّه التوسّع العسكري المباشر ليحل مكانه التدخل غير المباشر بطبيعة الحال، ما يعني أن واشنطن نفسها بطبيعة رؤيتها السياسية الخارجية لم تعد تعتمد على شخص الرئيس بالإدارة، بل إن الطاقم الحاكم او المؤسسة المتينة الحاكمة قرّرت أخذ أميركا نحو الواقعية القصوى وصار اليوم مفهوماً بالنسبة لترامب موقف أوباما الذي كان يدعو فيه الى الحوار مع باقي دول العالم بمنطق انفتاحي أو على الأقل صورة شكلية نقلت الولايات المتحدة من ضفة الى أخرى.
الدورة الثانية التي يحشد لأجلها ترامب تعتمد على ملفين أساسيين: الأول صفقة القرن والثاني الحوار مع إيران بجزءين. إما اللقاء بالإيرانيين مباشرة او إعادة صياغة اتفاق نووي جديد. وبالحالتين فإن القرار الاميركي والرؤية الجديدة نحو المنطقة يغيب عنها أي اشتباك مع إيران او أي حرب مباشرة تعيد واشنطن الى مستنقع افغانستان والعراق.
اليوم صار الرأي العام الأميركي حاضراً أكثر من اي وقت مضى لحوار مباشر او لقاء بين الرئيس حسن روحاني والرئيس دونالد ترامب وسياق اللقاء مع الرئيس الكوري الشمالي كان يكمل الجزء الثاني من الرواية تلقائياً. وها هي طهران على جدول اعمال ترامب الذي مهّد المشهد لحلفائه خصوصاً إسرائيل وخصومه الذين تمثل روسيا رأس الحربة دولياً فيهم.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كشف خلال جلسة عامة في المنتدى الدولي لأسبوع الطاقة الروسي لعام 2019، أن «القيادة الإيرانية تعتزم تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة .» وشدد على أن «الحوار هو دائماً أفضل من أي مواجهة، مثل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ، والأمر نفسه ينطبق على الاتصالات المباشرة بين إيران والولايات المتحدة وبين الرئيسين الإيراني والأميركي».
ولفت بوتين إلى أن «هذه المحاولة قامت بها فرنسا في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك ، على حد علمي. للأسف، لم يُعقد هذا الاجتماع لأن إيران تعتقد أن ضغوط العقوبات تجرّدها من أسس متساوية لهذا الحوار»، مضيفاً: «لكنني أعتقد أن هناك طموحاً للتطبيع»… بوتين طبّع أيضاً هو الآخر مع الفكرة ويبدو أن المبادرة الفرنسية بطريقها لتصبح واقعياً في المرحلة المقبلة، اما إيران فقد ارسلت اكثر من إشارة تؤكد على استعدادها للقاء مع الرئيس الأميركي اذا تم رفع الضغوط عنها. فهي لا ترغب بمنح ترامب اي جائزة انتخابية ولا صور تذكارية بل هي تدرك أن هذا اللقاء تاريخي يجب ان يثمر معادلة كبرى تعيد رسم شكل السياسة في المنطقة وتعبر معها إيران نحو الشرعية الدولية الكبرى.