الأمين وديع حداد الوفيّ لقَسَمِه
د. ادمون ملحم
الزوبعة وردة في حقل مليء بالأشواك .. بهذه العبارة الجميلة وصف الأمين وديع حداد مجلة الزوبعة التي كانت تصدرها منفذية ملبورن والتي أجرت معه حديثاً في تشرين الثاني من عام 1997 بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب وكان في حينها يتحمّل مسؤولية منفذ عام لمنفذية ملبورن. وبعد شرحه عن دور الزوبعة الثقافي والتربوي، تحدّث عن معنى التأسيس، وقال:
إن ذكرى تأسيس الحزب في السادس عشر من تشرين تعني لنا البدء في اكتشاف الذات والشعور بالقيمة في عملية النهوض والارتقاء على هدى المبادئ المحيية. لهذا كان حزبنا ثورة متصاعدة على الجهل والمفاسد والقضاء على الأمر المفعول ويبقى المنارة المشعة والبدء الذي ينطلق منه كل مؤمن يبغي خير الأمة ويعمل من أجل عزها وفلاحها.. عليه أن يعطي من ذاته ومن وقته وماله، لأننا عندما ننتمي إلى حزبنا ننتمي بكليتنا ونكون قد وقفنا وقفة العز الأولى بانتظار أن ننال شرف الاستشهاد مقتدين بالزعيم الخالد سعاده. هكذا نفهم معنى وجودنا في الحزب السوري القومي الاجتماعي .
بهذه الروحيّة كان يتكلم الأمين وديع حداد الذي تلقينا خبر وفاته المحزن بعد وصوله إلى ملبورن قادماً من الوطن وانتقاله الفوري نتيجة مرضه المنهك إلى المستشفى، حيث أغمض عينيه تاركاً وراءه إرثاً كبيراً من النضال والثبات على الإيمان والعقيدة القومية الاجتماعية. هذا الأمين الوفي لقسمه حتى آخر نَفَسٍ من حياته والذي يختصر تاريخاً طويلاً مشرّفاً من العطاء والالتزام والعنفوان كان رجل نهضة بامتياز مجسِّداً في مسيرته الحزبية الطويلة مناقب النهضة القومية في البذل والتضحية والبطولة والعطاء.
عُرف الأمين وديع بصدقه واستقامته ونزاهته ومحبّته لأبناء مجتمعه. كان مناضلاً متميّزاً وقدوة لرفقائه في الإيمان والإخلاص والوفاء وكان عنيداً في الحق ومحاربة الأنانية والفساد وصلباً في الدفاع عن الحزب ونظامه ومؤسساته. لم يقصّر يوماً بواجبه القومي، بل كان متفانياً في العطاء والالتزام والعمل الحزبي متنكباً المهمات ومتحمّلاً المسؤوليات العديدة هاجسه الدائم البناء في المجتمع ووحدته والوصول بالعقيدة القومية الاجتماعية إلى النفوس لأنه بالنفوس الواعية تستعيد الأمة استقلالها الحقيقي وسيادتها على نفسها وتحقق وحدتها وتقدمها ومجدها..
هذا الرجل المؤمن – المجاهد الذي انتمى بعقله ووجدانه إلى حزب سعاده منذ الصغر كان مناضلاً جدياً رصيناً بذل حياته في سبيل الحزب والنهضة القومية، وكان له حضوره الفاعل والمميّز في مجتمعه وفي لقاءاته ومجالسه من خلال نشاطه الدؤوب وشخصيته المتواضعة ومحبته للناس واحترامه لآرائهم، ومن خلال صراحته الواضحة وحديثه الرزين والمصقول بتعاليم النهضة ومفاهيمها والمستند إلى ثقافة عميقة في شتى الحقول. كان محاوراً لبقاً ومؤمناً بالعلم والمعرفة وضرورة نشر الوعي القومي.. ويوم كان منفذاً عاماً لمنفذية ملبورن كان حريصاً أن تشمل خطته الحزبية الاهتمام ورعاية الأحداث والأجيال الناشئة وتعميم الثقافة القومية والبرامج التعليمية. وقد أكد في حديثه للزوبعة ما يلي:
ويأتي في رأس خطتنا العمل على تحصين أبناء شعبنا بالمعرفة وخاصة الأجيال الناشئة على أرض الاغتراب بإقامة الحلقات الإذاعية باللغتين العربية والإنكليزية وتأمين الدراسات التاريخيّة والعلميّة لهؤلاء لأنهم في القريب يصبحون إمكانيات فاعلة في الحياة الأسترالية وعن طريقهم يمكن تصحيح المعادلة إلى جانب قضيتنا .
مَن يعرف الأمين وديع حداد يعلم أنه كان صديقاً محباً للكبار والصغار.. وأنا عرفته لفترة تتجاوز الـ35 عاماً وعملت معه في هيئة المنفذية كناظر للعمل ومن ثم ناظراً للإذاعة والإعلام. كان الصديق الوفي والأب الحنون والرفيق المؤمن بعقيدة الإنقاذ التي علمتنا أن الأرض لا تصان إلا بالبطولة المؤمنة ووقفات العز وأن الحياة لا تكون إلا في العز، لذلك نحن نقتل العيش لنقيم الحياة الحرة العزيزة لأن العيش، كما يقول سعاده، فلا يفرّق بين العز والذل، وما أكثر العيش في الذل حولنا!
رفقاؤك في ملبورن سيفتقدون حضورك وطلتك البهية يا ابو جهاد.. ورفقاؤك في لبنان وفي منفذية الحصن سيفتقدون ايضاً حضورك الاجتماعي ونشاطك الدائم ومحبتك الكبيرة لوطنك الجميل ولتلك البقعة الرائعة من بقاع الشام…
نم قرير العين يا حضرة الأمين يا مَن شهدت على بطولات نسور الزوبعة التي سطّرت وقفات العز وروت أرض الشام.. فالنصر الكامل بات قريباً جداً بفضل بطولات النسور وتضحياتهم وبفضل بطولات حماة الديار أبطال الجيش الشامي الذين يذودون عن أرض الياسمين. وها هي دماء الشهداء الزكية تنبت شقائق نعمان وتزهر عزاً ونصراً على الإرهاب والدواعش والاحتلال التركي- الأميركاني لتعيد إلى الشام عطر ياسمينها ودورها الحضاري..
تعازينا الحارة لأولادك وعائلاتهم ولأهل بلدتك ولقيادة الحزب وجميع الرفقاء في الوطن وفي المغتربات ونستودعك راحة النفس في عالم الخلود والبقاء للأمة.