«لم تعد إيران فقط نحن»… الثورة على إيران في لبنان والعراق؟

روزانا رمّال

للوهلة الأولى يطرح تساؤل أساسي حول «مشترك ما» يدور بين الشارع اللبناني والشارع العراقي المحتقن للأسباب نفسها، وموقع الطرفين من المعادلة السياسية الإقليمية وعما اذا كانت هناك اشارة تجمع بين مصير حكومة الرئيس سعد الحريري وحكومة رئيس وزراء العراق عادل عبد المهدي.

«مطالبكم بالإصلاح ومكافحة الفساد وصلتنا.. حاسبونا عن كل ما نستطيع القيام به في الأجل المباشر ولا توجد حلول سحرية… إن البطالة لم نصنعها والبنى التحتية المدمّرة ورثناها…».

هذا الكلام صدر عن رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، لكن إمكانية إسقاطه على القيادات اللبنانية برئاستي الجمهورية والحكومة ممكن أكثر نظراً لتشابه المعضلة الاقتصادية وارتباطها بحروب مدمجة بقيادات فاسدة محلية عاثت خراباً سياسياً محلياً أورثت معها العهود المتعاقبة الفشل والضياع. ومع أي محاولة للاصلاح يتبين ان المعضلة كبيرة وأن التركيبة السياسية الحزبية «الطوائفية» صارت أكبر من برمجة لائحة من الخيارات والحلول الاقتصادية. وهنا وفي ربط للحالتين اللبنانية والعراقية يتم إسقاطه على الوضع الراهن فإن الشبه أيضاً والترابط متعلق بسياسة المحاور التي يغرق فيها البلدان بشكل كبير، بل هو أكبر من أي دولة عربية حتى أن سورية التي تعيش حرباً ضروساً منذ سنوات استطاعت حسم اللعبة العسكرية نحو محور حليف لروسيا في وقت سابق اعتبرته واشنطن أمراً واقعاً منذ لحظة وصول القوات الروسية الى السواحل السورية، ومنذ اول الطلعات العسكرية الروسية الجوية في 2015.

في العراق ما يشبه قوى الرابع عشر من آذار وحلفاء أميركا والسعودية، ومحور آخر يشبه قوى الثامن من آذار وهم حلفاء إيران وسورية. وفي الحالتين دارت اللعبة وارتبطت بشكل وثيق حتى دخلت لعبة احتساب نقاط الربح والخسارة بين المحاور على حساب البلدين.

المشترك اليوم هو غضب الشارع العراقي وتحضير أرضية لبنانية مماثلة «بخطوات حذرة»، لكنها واقعة ضمن الأجندة والمنطق نفسهما. وهو المنطق الذي يقول التالي: هناك استحالة بالتسليم السعودي الأميركي لفكرة سيطرة نفوذ إيرانية على أكثر من عاصمة عربية. وهذا الكلام يكشفه دبلوماسي عربي رفيع لـ»البناء» وهو أكثر ما يجعل السعودية متأهبة لإفشال هذا النوع من الخطاب اللاذع الذي يعني إخراجها من العراق ولبنان.

الكلام الأول الذي جاء على لسان قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني بسيطرة إيران على أربع عواصم عربية، وباعتبار أن الأكثرية النيابية في لبنان تؤيد إيران وهي 75 نائباً هي لغة غير ممكن اعتبارها عابرة في منطق التوازنات التي صارت فيها السعودية هي الأضعف.. هذا الكلام موجود ويبدو أنه صار خطاباً معتمداً عند بعض القيادات الإيرانية. فقد انتشر حديث لإمام جامع مدينة مشهد الإيرانية آية الله احمد علم الهدى وهو عضو مجلس خبراء القيادة وممثل الولي الفقيه في خراسان، تحدّث فيه عن توسّع نفوذ إيراني غير محدود بجغرافيا ممثل بالحشد الشعبي بالعراق واصفاً إياه بـ»الإيراني» وحزب الله في لبنان «إيراني» وأنصار الله في اليمن هم «إيران» وما أسماها الجبهة الوطنية السورية هي «إيران» والجهاد الإسلامي وحماس في فلسطين هما «إيران» جميعهم باتوا إيران… لم تعد إيران فقط نحن «على حد وصف» علم الهدى. وأضاف: «سيد المقاومة نصرالله أعلن أن المقاومة في المنطقة لها امام واحد وهذا الإمام هو المرشد الاعلى للثورة الاسلامية. هل تريدون أن تعلموا اين هي إيران؟ اليس جنوب لبنان هو إيران.. أليس حزب الله إيران؟ طائرات الدرون اليمنية التي تسببت بأضرار كهذه للسعودية اليست إيران هناك؟ تقولون إن الطائرات أتت من الشمال وليس من الجنوب شمال او جنوب ما الفرق؟ إيران هي الاثنان.. شمالكم وجنوبكم».

هذا الكلام يناقض كلام القيادة الإيرانية التي تؤكد أنها لم تستهدف أياً من المصالح السعودية، لكنه وبأي حال من الأحوال يبقى خطاباً مفهوماً لدى محور يعتقد منذ أكثر من ثماني سنوات وهو تاريخ الحرب في سورية التي قسمت المنطقة عمودياً ودخلت إيران وحليفها الاساسي حزب الله في صلبها.. يقول مصدر متابع «مؤيد لحزب الله وسياسات إيران في لبنان لـ»البناء» ان هذا الكلام يوضع ضمن شرح عام للمشهد وليس معنى تجريدياً لسيطرة إيرانية حقيقية، بل هو موضوع ضمن إطار حساب نقاط الربح بالمنطقة لصالح محور أثبت صوابية خياراته واستطاع إفشال المخططات الأميركيّة.

تبدو الثورات في العراق وما يمكن أن يتطور في لبنان واحدة من الاستهدافات لهذا النفوذ الإيراني.. هي ثورات على «إيران» بكل ما للكلمة من معنى ففي لبنان يسود خطاب انفعالي يعتبر ان عهد الرئيس ميشال عون كرّس الوجود الإيراني. وهو كلام صادر عن معارضة مبطنة تحرك باتجاه خيارات جدية يتبين اليوم أن اولها الشارع وثانيها استهداف الحريري وتعقبها مشاكل العملات والوقود التي تخض البلاد وفيها جزء يتعلق بعقوبات على بنوك تقول الادارة الأميركية إنها تتعاطى مع حزب الله..

الأسئلة حول السكوت السعودي والردّ على استهداف «أرامكو» وإعادة المهل بالتسويات في المنطقة الى أجندة تحكمها واشنطن لا الخيارات الروسية – الإيرانية إجابتها في هذه الثورات أو ما يعادلها من حراك شعبي. وهي تتحكم بالمشهد اليوم. والسؤال ليس عن إمكانية ان تنتج هذه الثورات اي تغيير وهو غير وارد لأنها تعنى ببلدان تعيش تراكمات تاريخية من الفساد كلبنان والعراق وحتى مصر المتوجّهة نحو خيارات تطبيع مع سورية ومساعٍ لإعادتها للجامعة العربية، بل عن مغزى الفوضى لأجل الفوضى فقط لدى محرّكين يدركون استحالة إعادة ميزان القوى للوراء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى