ذهاب الوزير إلى القاضي يختصر فكرة الدولة
ناصر قنديل
لا يمثل قرار القضاء بتوقيف رئيس أو وزير وسجنه فكرة الدولة، لأن القضاء قد يقدم على ذلك بقوة سلطة خفية كالأجهزة الأمنية التي تغوّلت وصارت تحكم من وراء الستار وتمارس الانتقام بواسطة القضاء. كما لا يمثل فكرة الدولة انتظام المؤسسات الدستورية وأدائها استحقاقاتها في مواعيدها، لأن ذلك يحدث في كثير من المرات بشكل باهت وبارد وبمعزل عن المشاركة الشعبية أو الرضى والقبول والاهتمام من الناس. وكذلك لا يمثل خوف الناس من مخالفة رجال الأمن أو جباة المال. فهذا الخوف لا يعبر عن فعل إيمان وقناعة، لكن ربما يمثل فكرة الدولة بصورة مثلى توقف الناس عند الشارة الحمراء في شارع فارغ وبعد منتصف الليل، أو امتناعهم عن رمي عقب سيجارة ومحرمة ورقية مستعملة من نافذة السيارة، أو تقبل الوقوف في طابور التسلسل بانتظار الدور في أي دائرة حكومية لتعقيب معاملة، أو في المطار بغاية بلوغ شباك المعاينة الجمركية أو الأمنية. ويكون تمثيل فكرة الدولة أقوى، عندما يكون المعني مسؤولاً لأنه يقدم مع تجسيد فكرة الدولة فكرة التساوي أمام القانون التي ترمز إلى الدولة. وهذه أهمية أن يقدم على كل ذلك مسؤول في الدولة، شرط أن يفعل ذلك دون أن يلتقط صورة سيلفي أو يدع أحداً يفعلها.
لأن الدولة طرفان: قانون ومواطن، ولأن رمزية الدولة هي تساوي المواطنين أمام القانون والتمسك باحترامه، فالقانون الأخرس هو ما ذكرناه، أي الإشارة الحمراء ونظافة الشارع والانتظام في الدور التسلسلي انتظاراً، لكن القانون الناطق هو القاضي، والمسؤول الذي يتولى الوزارة خصوصاً باعتبارها رأس السلطة الإجرائية، يمثل أعلى فرصة ممكنة لكسر قاعدة التساوي أو إقامتها، بين المواطنين أمام القانون، ولذلك يصح القول إن فكرة الدولة تختصر بمثول الوزير أمام القاضي، والأمر لا يتصل بوزير بعينه، ولا بقاضٍ بعينه، ولا باتهام أو براءة، ولا بملف أو بدون ملف، أو باستدعاء وجيه مبنيّ على وقائع، أو باستدعاء كيديّ بلا وقائع ولا معطيات، فالقضية ببساطة هي في مبدأ المثول حين يتم الاستدعاء، للجواب عن سؤال، هل نحن في دولة وتحت ظلال قانون ونتساوى أمامه، أم أننا في شركة يملكها الوزراء ويتقاسمون هيبتها، وهم بذلك مواطنون كبار لا يحكمهم القانون. فالقضاة بنظرهم موظفون صغار مهمتهم استدعاء المواطنين الصغار، وإقناعهم أن هناك دولة لا يجوز التمرّد على قوانينها. وقوانينها هي لحساب هيبة المواطنين الكبار، الذين يجيدون التنمّر، والتصرّف بأموال الشركة، من خارج القانون، فهي شركتهم وهم أحرار بأموالهم، ولو كانت تُجبى من الشعب، فهذه هي مهمته أن يدفع، وهم مهنتهم أن يصرفوا.
كلام وزيري الاتصالات محمد شقير وجمال الجراح عن رفض الذهاب للمثول أمام المدعي العام المالي علي إبراهيم، لا علاقة له بمكافحة الفساد، الذي يشكل حلماً صعب التحقق لتصير الدولة أفضل، بل هو يتصل بأن تكون لنا دولة لا شركة. وفي زمن الشركة، مع مخاطر الإفلاس، وفي ظل شعور الناس باليأس، وحديث المسؤولين عن أهمية استعادة ثقة الناس بالدولة، وقعت الفضيحة وليس مَن يسترها، لذلك نتوجه لفخامة رئيس الجمهورية ولدولة رئيس مجلس النواب ودولة رئيس الحكومة، لنتمنى عليهم المسارعة إلى أحد أمرين، إما حل الشركة وإعلان إفلاسها، أو التمسك بأننا في دولة، والإمساك على أيدي الوزيرين لستر فضيحة ما قالاه قبل أن تستفحل النقمة ويتنامى الغضب، ويسقط الهيكل على الرؤوس كلها، والهيكل هو فكرة، والفكرة هي الدولة.