قنديل: التفوّق الأخلاقي سرّ انتصارات محور المقاومة وسورية المعركة الفاصلة زهران: نحمل أهداف عبد الناصر بالوقوف مع سورية والمقاومة والتمسك بفلسطين بوصلة
في مقر التجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة في مصر، القابع في مبنى يقع على كتف ميدان التحرير مباشرة، في أمسية كان رجال الأمن ينتشرون خلالها في الميدان تحسّباً لتجمّعات وتظاهرات، وكانت مصر في ذلك اليوم تحيي الذكرى الـ49 لرحيل الرئيس التاريخي والقائد الذي لا يزال يحرّك وجدانها ذكره، جمال عبد الناصر، كانت الندوة التي أحيت الذكرى وحضرها حشد من المفكرين والمثقفين والسفير السوري في القاهرة الدكتور بسام درويش والإعلامي عمرو ناصيف وأدارها الكاتب الدكتور محمد سيد أحمد وقدّم لها الدكتور جمال زهران، وحملت عنوان «تصدّع المشروع الأميركي وصعود مشروع المقاومة»، والتي إستضافت رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية النائب السابق ناصر قنديل، بعد زيارة لضريح عبد الناصر استقبله خلالها نجل عبد الناصر المهندس عبد الحكيم، وشقيتاه الدكتورة هدى والدكتورة منى، وجمع من النخب الناصرية والشعبية.
كلمة افتتاحية في الندوة للدكتور جمال زهران المنسق العام للتجمع العربي والاسلامي لدعم خيار المقاومة – فرع مصر، رابطاً بين المناسبة ودور التجمع وأهدافه، و»خصوصاً فكرة المقاومة على أساس أن ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة»، وأضاف «العالم العربي وإقليم الشرق الاوسط، في خريطة الاستعمار يجب تقسيمه وتفتيته».
وقال زهران «منذ عام 2000 وتحرير جنوب لبنان ويعوّض محور المقاومة غياب مصر بعد كامب ديفيد، ولذلك كانت المؤامرة على سورية لكن بفضل التحالف العضوي بين الجيش السوري وبين القيادة السورية الرئيس بشار الأسد والشعب السوري ومعادلة جيش وشعب وقيادة تقترب سورية من النصر. وها هو اليمن يكسر محور الرجعية الذي تقوده السعودية، وإيران تتحدّى القوة الأميركية والعقوبات وتصمد».
ثم تولى الدكتور محمد سيد أحمد إدارة الندوة فقدم المتحدث الرئيسي ناصر قنديل الذي قال بداية، إن رمزية اللقاء بما تختزن من معانٍ ستبقى أكبر مما نقول، أن نلتقي في رمزية الزعيم جمال عبد الناصر ونحن نفتتح السنة 50 من غيابه ونحن نعيد ما قال يا جمال لا صلح لا تفاوض لا اعتراف، أنت قلت ونحن نردد، ان المقاومة وجدت لتبقى وستبقى، ونعود نقول من وراء جمال سورية التي قلت عنها قلب العروبة النابض ما زال قلبها ينبض بالعروبة وسيبقى ينبض. هذه الرمزية العظيمة الغنية ستكون أكبر من تطوّرات الأحداث بزمن. الرمزية تعنينا كثيراً هنا، لأن خلود المعاني وثباتها هو علامة الحياة في مشروع المقاومة العابر للأجيال، كما هو عابر للعقائد وعابر للأحزاب.
وتابع قنديل، إن المقاومة مشروع وليست حزباً، يعني أن المقاومة لا تدخل لعبة السياسة من لحظة الحدث، بل تتعامل مع الحدث من منظور ثابت لديها هو، كيف تجهّز وتجذّر وعي الصراع مع كيان الاحتلال. وكيف تبني أوسع اصطفاف شعبي وسياسي وميداني لقتال العدو، وكيف تتفادى كل ما يُشغل عن قتال العدو، لذلك المقاومة لا تلتفت ولا تنشغل بما يمكن أن ينشغل به السياسيون فهي معنيّة بهذه الوجهة والبوصلة، هذه هي حساباتها.
ورأى قنديل أن المشروع المعادي لمشروع المقاومة يشتغل بالدقة والوضوح ليل نهار كي تتوه البوصلة عن قتال كيان الاحتلال. وأضاف، لقد خلقوا لنا هويات متعددة وزرعوا في عقولنا أهدافاً متعددة، ربما تكون نبيلة وسامية، كالنضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو تكون تفتيتية ومرضية كالطائفية والمذهبية، لكن المهم ألا تكون المعركة نحو فلسطين.
وشرح قنديل مكانة كيان الاحتلال في إعاقة كل معركة للتنمية والاستقلال في المنطقة، فقال: واهم من يظنّ أنه قادر أن يبني دولة قوية او دولة تنمية دون الاشتباك مع كيان الاحتلال. وها هي تجربة جمال عبد الناصر هي التي قالت دون دولة الاستقلال لا تنمية لا ديمقراطية لا حرية. انت تابع. انت ذليل. انت مفتت. انت معرض للتقسيم. انت معرض للابتزاز في كل يوم. دولة الاستقلال ماذا تعني دولة الاستقلال تعني المقاومة؟ من يتوهم بوجود «إسرائيل» قوية صاحبة يد عليا في هذه المنطقة يمكن أن يسمح لك بالهواء يخطئ، يمكن أن يسمح لك بالنفط والغاز واهم، يمكن أن تستثمر مياهك مشتبه، إضعاف «اسرائيل» هي دعوة للمقاومة، وهي دعوة لتقديم الإسناد لكل مشروع تحرّري وتنموي في المنطقة بصورة عملية لتكون له فرص الحياة.
وتطرّق قنديل للوضع في مصر، فقال: المهم أن أن تبقى مصر موحّدة آمنة واقفة على قدميها. وهذا كافٍ فلا تدعوا أحداً يختطفها مرة أخر، كما حدث أيام حكم الأخوان. فالخطر هو توريط مصر بحروب المنطقة، كما كانت محاولة زجّها في الحرب على سورية، وتوريطها في حرب اليمن. وفي بلادنا الأوطان ووحدتها والجيوش توائم، ولذلك نقول: الثورة التي تأخذنا إلى الفوضى مسمومة، والثورة التي تأخذنا لاستهداف الجيوش مشبوهة، وتحت هذين السقفين ليكن النضال لرفع السقوف الأخرى وتحسين الأداء وتفعيل الحياة السياسية، لأن لا أحد يزعم أن الأوضاع بألف خير، لكن الأكيد أن أحداً منا لن يرضى أن يُلدغ من الجحر ذاته مرتين، وقد اختبرنا اللدغة الأولى ولن نعيدها.
وتوقف قنديل أمام مسار المشروعين المتقابلين منذ عام 90 وجهاً لوجه، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، مشروع الهيمنة الأميركية ومشروع المقاومة، فقال: قبل ثلاثين سنة كان المشروع الأميركي في ذروة الصعود، وكان مشروع المقاومة في قلب الحصار. وأضاف: بعدما دارت المواجهات الاختبارية في حرب العراق وحرب تموز على لبنان وحروب غزة، كانت الحرب الفاصلة بين المشروعين في سورية، وكانت بشائر النصر، فأرادوا تحصين أنفسهم بوجه مخاطر الخسائر، فكانت حرب اليمن، والغارات الصهيونية على سورية ووجود محور المقاومة فيها، وكان التوغل التركي في سورية. وها هي النتائج، الخط الأحمر الذي رسمه كيان الاحتلال تدوسه المقاومة وترسم خطوطها الحمراء، وهذا هو جوهر عملية أفيفيم. والحرب السعودية على اليمن صارت مصدر قلق على استقرار السعودية بدلاً من أن تكون وسيلة تركيع لليمن، والنظام التركي يبحث عن جوائز ترضية بعدما كان سعيه للجائزة الكبرى في حروب المنطقة.
وتوسّع قنديل في شرح جوهر حلف الدول المستقلة الذي يشكل التحالف بين روسيا ومحور المقاومة ركيزته الرئيسية، وقد أنتجته التحالفات التي صاغها الرئيس القائد بشار الأسد، متسائلاً ما الذي يجمع سورية العلمانية القومية العربية مع إيران المرجعيّة الدينية، سوى هذا الفهم لجبهة الدول المستقلة، حيث الهوية ليست ما يحدّد التحالف والخصومة بل الهدف، فيلتقي الإسلامي مع العلماني، ويقاتل الإسلامي إسلامياً آخر بقياس الموقف من فلسطين، ويقاتل علماني علمانياً بالقياس ذاته.
ورأى قنديل أن سورية ستكتب صورة العالم الجديد وقد هُزم فيها المشروع الأميركي وتتواصل هزائمه، وينتصر فيها مشروع المقاومة وتتواصل انتصاراته، مضيفاً لأن سورية قلب العالم، فلنتذكّر أن المسيحية لم تتعولم إلا عندما مرّت في سورية، والإسلام والعروبة كذلك، وأضاف أن النصر في سورية حتمي وعبره انتصار محور المقاومة وحلف الدول المستقلة وولادة العالم الجديد، ففي سورية قائد استثنائي هو الرئيس بشار الأسد، يلاقيه في المقاومة قائد استثنائي هو السيد حسن نصرالله، ويلاقيهما في العمق الاستراتيجي الذي تمثله إيران قائد استثنائي هو الإمام علي الخامنئي، وفي موسكو قائد استثنائي هو الرئيس فلاديمير بوتين، ومصدر التفوّق لكل محور في حرب هو التفوق الأخلاقي للقادة.
بعد قنديل عقب الدكتور محمد سيد أحمد مركزاً على أهمية التمييز بين المقاومة كمشروع نهضة واستقلال واشتباك مفتوح مع كيان الاحتلال، وبين المشاريع السياسية التفصيلية، التي لا تشغل بال المقاومة إلا بمقدار تأثيرها سلباً بحرف الانتباه عن البوصلة التي تمثلها فلسطين، أو بتزخيم المواجهة مع الاحتلال، وتثبيت مكانة فلسطين، والمعارك الجانبية وفي قلبها الثورات المزيّفة، ومشاريع التفتيت ليست في حساب مشروع المقاومة.
وتلاه الإعلامي عمرو ناصيف مستذكراً تاريخ نمو ثقافة المقاومة مستعيداً معاركها وبناءها للوعي ومعاركها المتواصلة ضد كيّ الوعي الذي شكّل سمة المشروع الصهيوني، ثم مداخلة للأستاذ أسامة الدليل الكاتب الصحافي بالأهرام العربي، تلاه جمال أبو عليو، عضو الأمانة العامة للتجمّع – فرع مصر، فالمفكر الناصري فاروق العشري، وبعده السياسي المصري سامي يوسف، وبعدهما رئيس حزب الوفاق محمد رفعت والباحثة دعاء إبراهيم، فكلمة لعاطف مغاوري، القيادي بحزب التجمّع التقدمي.
وفي الختام كانت كلمة للسفير السوري بسام درويش، الذي قال: نحن في دمشق نعتبر أن الجيش السوري يقاتل في إدلب عن الجيش المصري في سيناء، والعكس صحيح. فالمعركة واحدة وجوهرها واحد، مؤكداً أن سورية تتجه نحو تحقيق نصرها وحماية الأمن القومي العربي من الأطماع التركية ومخاطر التقسيم والعدوانية الصهيونية.
وتمّ الاستماع في ختام الندوة لرسالة تحية للمناسبة من عميد الأسرى في سجون الاحتلال الأسير صدقي المقت، وتقديم دروع ولوحات تكريميّة للضيوف.