التحوّل في حرب اليمن يتكامل مع انتصار سورية.. الغرب يريد إنقاذ السعودية وتدارك الخطر على نفوذه

حسن حردان

تتزايد المؤشرات على انسداد أفق حروب الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة وبدء تحوّلها الى عبء ثقيل عليها وعلى حلفائها.. فالحروب الأميركية غير المباشرة استهدفت من ناحية إسقاط الدول الوطنية المستقلة الرافضة للهيمنة الاستعمارية والمقاومة للاحتلال الصهيوني. ومن ناحية ثانية استهدفت القضاء على حركات المقاومة والتحرّر.. والهدف كان ولازال تأمين حماية أمن واستقرار الكيان الصهيوني، وحماية المصالح الاستعمارية المتمثلة في ضمان استمرار نهب ثروات النفط والغاز وأمن طرق إمدادات الطاقة من المنطقة الى الدول الصناعية الغربية..

فالحروب الإرهابية تحت ستار الربيع العربي المزيف الذي استغل الظروف الاقتصادية والاجتماعية للناس لأجل إعادة فك وتركيب الأنظمة، وتدمير وإسقاط الدولة الوطنية السورية وجيشها، فشلت في تحقيق هذا الهدف وفشل معها الهدف الأساسي والمركزي من إشعال الحروب الإرهابية وإثارة الفوضى في المنطقة.. فصمود سورية الأسطوري ونجاحها بدعم من حلفائها في الانتقال من الدفاع إلى الهجوم، وصولاً إلى اقترابها من تحقيق النصر الكبير والنهائي على أشرس حرب إرهابية كونية عرفها العالم.. كانت البداية في إخفاق أميركا في جعل السيطرة على سورية بمثابة كرة الثلج التي تعيد تركيب المنطقة بما يؤمن إحكام السيطرة الأميركية على التحالف في المنطقة وتعويم مشروع للهيمنة الأميركي على العالم من خلال السيطرة على كل منابع الطاقة في المنطقة وطرق إمداداتها عبر البر والبحار وبالتالي عزل روسيا وتشديد الحصار عليها.. وإخضاع الصين من خلال جعل حصولها على حاجاتها من الطاقة رهن القرار الأميركي..

أما الفشل الثاني الكبير لحروب أميركا، بعد سورية، فكان في الحرب التي شنها السعودي الأميركي على اليمن والتي استهدفت منع اليمن من الخروج من تحت الهيمنة الأميركية السعودية.. فواشنطن لم تكن تتوقع أن تنزلق هي والسعودية إلى مستنقع الاستنزاف في اليمن الذي أحبط أهداف حربهما ويستمر باستنزاف قدرات السعودية ويشغلهما عن تركيز جهودهما على ادامة الحرب الإرهابية في سورية، وكذلك العراق، وصولاً الى التركيز على حصار وعزل إيران.. وبالتالي لم تتوقعا أن تستمر الحرب كل هذه السنوات وأن تصبح المقاومة اليمنية بهذه القوة والقدرة وان تنتقل من الدفاع السلبي إلى الدفاع الإيجابي بالردّ على العدوان بضرب مرتكزات القوة السعودية المجسّدة بالنفط أساس الاقتصاد السعودي والمموّل الأساسي للحرب وشراء السلاح الأميركي والغربي.. وكذلك توجيه ضربات قوية وموجعة للجيش السعودي وقوات المرتزقة التي جنّدها للقتال في المواقع الأمامية.. إذا كانت الولايات المتحدة غير متضررة اقتصادياً ومادياً من إصرارها على عدم تسهيل الحل السياسي في سورية والاستمرار في سياسة الحصار على سورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، لا سيما أن هذه السياسة تخلق ظروفاً اقتصادية صعبة لكل من دمشق وطهرانـ حيث تراهن واشنطن عليها في أن تؤدي إلى تحقيق أهدافها السياسية.. إلا أن الولايات المتحدة لا تستطيع التعايش مع ما يحصل من استنزاف كبير باتت تئن منه المملكة السعودية ويهدّد ليس فقط بشح في مالها ووقوعها في عجز مالي متزايد، وبالتالي فقدان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مورداً أساسياً يساعده على إنعاش الاقتصاد الأميركي، وبالتالي تحقيق مكاسب للأميركيين تدفعهم إلى إعادة انتخابه لولاية ثانية.. بل ويهدد بتداعيات خطيرة على استقرار النظام التابع لواشنطن في السعودية، والذي اذا ما انهار وفقد القدرة على التماسك على خلفية هزائمه في اليمن والاستنزاف والغرق اكثر، في مستنقع اليمن، فإنه قد يتداعى ويقود ذلك إلى تهديد حقيقي لأهم مرتكزات النفوذ الاستعماري الأميركي في أغنى منطقة باحتياطيات النفط في العالم. وما يعنيه ذلك من تداعيات دراماتيكية سلبية على مجمل النفوذ الأميركي في هذه المنطقة.. واستطراداً على كيان الاحتلال الصهيوني..

من هذا المنطلق يبدو أنه قد قرع جرس الخطر في دوائر صنع القرار في عواصم الغرب التي بدأت في ما يبدو التحرك باتجاه العمل على تدارك استمرار غرق السعودية أكثر في كارثة الحرب اليمنية.. وهذا الأمر ليس مجرد تحليل لآفاق ما يحصل.. وإنما أصبح واقعاً حقيقياً بدأت فيه العواصم الغربية من خلال الضغط على الحكومة السعودية، وبالتحديد على الملك سلمان وولي عهده محمد ابن سلمان «لإنهاء الحرب» حسبما ذكرت وكالة رويترز نقلاً عن مصادر غربية قالت، «الضربات الجوية السعودية على مناطق الحوثيين تراجعت بشكل كبير وأن هناك ما يدعو للتفاؤل بشأن التوصل لحل قريباً». مشيرة إلى أن «موافقة السعودية على وقف الغارات الجوية سيعني فعلياً نهاية الحرب لأن السعودية لا تملك قدرات كبيرة على الأرض».

وفي هذا السياق، قال مسؤول إقليمي مطلع لـ»رويترز» «إن السعوديين يدرسون عرض الحوثيين الذي يستخدمه دبلوماسيون غربيون لإقناع الرياض بتغيير المسار».. على أن دبلوماسي أوروبي ذهب إلى حد القول: «يريد الأمير محمد بن سلمان الخروج من اليمن لذا علينا أن نجد سبيلاً له للخروج مع حفظ ماء الوجه».

ومن الواضح أن هذا التوجه الغربي لوقف الحرب جاء في أعقاب القرار الأميركي بدء حوار مع أنصار الله في مسقط بعد الضربة العسكرية الكبيرة والمؤلمة التي تلقتها السعودية في منطقة نجران بعد الهجوم على معامل شركة أرامكو لإنتاج النفط.. مما يؤشر إلى تحول في الموقف الأميركي على هذا الصعيد لوقف الحرب التي بات استمرارها عبئاً كبيراً على السعودية َمن ناحية، ويؤثر سلباً على الحرب الأميركية الاقتصادية ضد إيران من ناحية ثانية. وفي هذا السياق يقول معهد واشنطن إن «الولايات المتحدة ترى في تدهور الوضع في اليمن وانهيار التحالف السعودي الإماراتي حرفاً عن الجهود الرئيسية، وهي مواجهة إيران». ويؤكد المعهد في دراسة له ان «استمرار الضربات الصاروخية الحوثية، وإرسال الطائرات المسيرة إلى داخل السعودية يكشفان عن المخاطر التي تتعرض لها السعودية.. وهو ما يفسر التغير في استراتيجية واشنطن من فتح حوار مع الحوثيين، واشراك السعودية أو إجبارها على المشاركة فيها. ومن هنا فإن الحوار مع الحوثيين قد يكون في وقته خاصة أن الإدارة الأميركية لن تكون قادرة على مواجهة الكونغرس الداعي للحدّ من الدعم العسكري لحملة اليمن، وتقييد صفقات السلاح إلى التحالف الذي تقوده السعودية».

ومع ذلك فإن محاولة واشنطن تجنّب غرق السعودية أكثر في اليمن سوف لن يؤدي إلى مساعدتها على تركيز حملتها ضد إيران، لأن الأخيرة ومعها كل أطراف محور المقاومة لا يخوضون المواجهة مع أميركا بشكل منفرد، وإنما يخوضونها موحدين لكون المعركة واحدة لا تتجزأ إن في اليمن، أو سورية، أو العراق، أو لبنان، أو فلسطين.. ولهذا لن يمكنوا أميركا من تحقيق أهدافها.. وبالتالي فإن الرسالة واضحة وهي لن يكون هناك أمن واستقرار لاطراف المحور الأميركي ما لم تتوقف أميركا عن مواصلة حربها الاقتصادية المالية ضد أطراف حلف المقاومة.. فالغرب بقيادة أميركا لم يتحرك لوقف الحرب في اليمن الا بعد أن بات استمرار الحرب في غير مصلحته.. وبالتالي فإن الاستمرار في ضرب مرتكزات النفوذ الأميركي الغربي في المنطقة، ولا سيما في السعودية، هو السبيل الذي يجبر الغرب على التراجع والتسليم بفشل حروبه والتكيف مع الوقائع وتوازن القوى الجديد الذي يولد منها.. على أن التوصل إلى عقد تسويات تكرّس هذا الواقع الجديد بموازين القوي لا يعني أن الصراع سيتوقف وإنما سيستمر ويأخذ أشكالاً جديدة مستترة على غرار ما هو حاصل في العراق من خلال محاولات واشنطن والقوى التابعة لها استغلال الازمة الاقتصادية والاجتماعية وتحرّك العراقيين ضد السياسات الحكومية، لركوب موجة هذا التحرك ومحاولة توظيفه في خدمة أهدافها السياسية لتعديل ميزان القوى المتغيّر في غير مصلحتها.. والذي أشر عليه فتح معبر البوكمال – القائم بين سورية والعراق، وما يعنيه من كسر للحصار الأميركي المفروض على كل من سورية وإيران.. وبالتالي سقوط الرهان الأميركي على سلاح الحصار في محاولة لتحقيق أهدافه السياسية..

كاتب وإعلامي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى