من موسكو هنا دمشق

شهناز صبحي فاكوش

موسكو الحليف العتيق… ولا يعتق إلا الذهب… مصالح مشتركة… مصالح متبادلة… هي سُنّة السياسة… هكذا بنيت عالمياً ولا تزال… فلمَ ينكرونها على سورية؟

عندما قرّرت الإدارة الأميركية التدخل لضرب «داعش» من دون إذن دولي رسمي، رغم إعلام سورية، لم تكن روسيا مرتاحة وأظهرت ذلك وأعلنته في غير مكان.

وصل دي ميستورا مبعوثاً أممياً إلى سورية يحمل مصطلح التجميد، وهو مصطلح غير موجود في القاموس العسكري ولا آليات تنفيذية له. هو عبارة عن مبادرة، قالت عنها سورية إنها تستحق الدراسة، في محاولة لتحقيق هدنة في حلب وبعض المدن.

روسيا أبدت دعم جهود دي ميستورا، لأنها مقتنعة بأنه من دون تسوية لا حلّ للأزمة السورية. بالتالي هي لا توافق على مراهنات الأطراف الأخرى، أميركا والسعودية وتركيا وأعداء سورية، في تسليح الجماعات المسلحة وتدريبها وتجميع بعضها، لإسقاط النظام والدولة السورية.

روسية تستقبل الوفد السوري برئاسة نائب رئيس الوزراء كبير الدبلوماسية السورية وزير الخارجية وليد المعلم، وهي دائماً تصرّح بدعمها للحوار السوري ـ السوري، وتحاول جمع الأطراف على طاولتها. وتركز على المفاوضات المباشرة وتسهّل هذا الأمر، لأنها تثق بأنّ غياب الحوار يفضي إلى تدخل أجنبي.

يحيّرها موقف أميركا التي تتخبّط في تذبذب موقف أوباما، بين تسليح المعارضة وتثمين دور سورية الدولة في محاربة الإرهاب، وتأنيب تركيا التي لا يستغنى عنها، وجعل ساحتها معسكراً لتدريب المسلحين، وممراً لعبورهم إلى سورية والعراق.

روسيا تستدعي شخصيات فلسطينية ولبنانية، وتقابل الخطيب وغيره من عناصر المعارضة السورية، وتتحرك خارجيتها في المنطقة، باتجاه ما يُدعى الجامعة العربية، ويذهب إليها سعود الفيصل، كلّ ذلك رسائل إلى أميركا، بأنها حاضرة في المنطقة كما أميركا تماماً، وأنها لا تتخلى مطلقاً عن سورية.

روسيا تعمل على توحيد الجهود لمواجهة الإرهاب، وهي تبدي استعدادها للتعاون حتى مع أميركا في مساعدة سورية لمواجهة خطره… الذي يهدّد روسيا كما الجميع.

إنّ استقبال بوتين للوفد السوري ورفضه استقبال السعودي الفيصل، تأكيد على دعم سورية، ورفض الموقف السعودي الداعم للتطرف ومنفذيه من الإرهابيّين.

تركيا التي تشكل عاملاً سلبياً في دعم الإرهابيين تخسر روسيا والعرب ما يجعلها في عزلة سياسية، حتى مع منافستها السعودية التي تماثلها في دعم الإرهاب، وأميركا لا تستحسن أسلوبها، ولا يوافقها إلا فرنسا. وهي مجروحة اقتصادياً كما سياسياً.

حتى البابا الذي يزورها في مهمة دينية بحتة، لسدّ الفجوة بين الكنيستين الأثوذكسية والكاثوليكية. يضعها أمام مسؤولياتها لتكون مع العمل السلمي من أجل أمن المنطقة.

ما تطلبه تركيا اليوم وتطبّل له هو المناطق العازلة بدعم فرنسي. الهدف منه تقسيم سورية. فرنسا بذلك تريد إحداث صدمة. لأنها تعلم تماماً أنّ تغيّر موازين القوى الآن على الأرض، وإنجاز العمل العسكري للجيش السوري في حلب يعني نهاية الأزمة.

إنّ الخلاف الحادّ بين روسيا وأميركا يصل إلى حدّ الصدام، وعدم التوافق لإنهاء الأزمة السورية. وذلك لأنّ روسيا تسعى إلى الحلّ سلمياً وحوارياً. بينما أميركا تدعم المسلحين، وهي غير جادة بمكافحة الإرهاب والقضاء على «داعش».

لا أسهل على أميركا من التخلي عن عملائها عندما تنتهي أدوارهم. واليوم يبدأ الدق على الرق باتجاه السعودية، فهي تنتقد وزارة العدل السعودية. و«هيومن رايتس ووتش» تلومها لاستعمالها القوة لتفريق المتظاهرين، باستخدام السلاح الحيّ. كما تعلن صحافتها أنّ حجم القمع أصبح سياسة منهجية شبه يومية. هل بدأ العد التنازلي السعودي؟

إنّ طرح الأماكن العازلة أو ما يدعونه بمناطق آمنة، ما هو إلا آلية خبيثة لخارطة طريق، هدفها تقسيم سورية، حُمّلَت للمبعوث الأممي، على أنها آلية للخروج من الأزمة، واشترطها الائتلاف لقبول مقترحات دي ميستورا، ماذا عن رأي الرجل؟

المناطق الثلاث المطروحة، جميعها تقع تحت سيطرة المسلحين، شمالاً وجنوباً وفي القلمون. وجميعها مناطق حدودية تحوي غرف العمليات التي تقودها واشنطن، باتفاق وتنسيق مع فرنسا وبريطانيا وتركيا، ومع الأسف بعض الدول العربية! الأردن والسعودية وقطر وغيرها ممّن يدّعون بأنهم أصدقاء سورية.

هذه الدول تتواصل مباشرة مع فصائل ما يُدعى «الجيش الحر»، من خلال غرف عملياتها التي لها هدف رئيس، إنشاء «جيش معتدل» وزرع الجواسيس. و«موك» مكاتب أميركية تتبعها تلك الغرف، تقدم إلى جانب الدعم المادي والعسكري لمن وصفتهم بالمعارضة المعتدلة، دعماً سياسياً، لمحاولةً إقناع النظام السوري وحلفائه، روسيا وإيران بالحلّ السياسي الذي ترغبه! ادّعاءً وفق صيغة جنيف.

هي تدعي محاربة انتشار الإرهابيين في شمال البلاد وشمالها الشرقي، وعلى رأسهم تنظيم «داعش». وجبهة «النصرة»، وهي الأهداف نفسها التي تشملها مقترحات دي ميستورا… لكن ماذا بالنسبة إلى جنوب البلاد؟

وماذا بقي في الجراب يا حاوي؟

اللافت أنّ مكاتب موك التي تتبعها غرف العمليات، موجودة في تركيا لدعم المسلحين في الجبهة الشمالية. وفي الأردن لدعم الجبهة الجنوبية. وتنسّق مع الائتلاف لتمدّد عملها، وإقامة فرع ثالث لها في القلمون.

ميدانياً هي تعمل على تزويد حركة «حزم» بصواريخ مضادّة للدبابات لتكون النواة التي يراهن عليها الغرب. لإسقاط النظام في سورية.

إنّ صمود الجيش السوري وتحقيق إنجازاته على الأرض وفشل الخطة الأميركية باتجاه سورية. وإصرار هيغل وزير الدفاع الأميركي على ضرورة تقرير مصير الرئيس الأسد، رفضه أوباما الذي فهم وإدارته أنّ السوريين يصرّون على قائدهم الذي انتخبوه ديمقراطياً وبشفافية متناهية شهد لها العالم كله.

هذا وغيره جعل أوباما لا يوافق على رأي هيغل الذي قدم استقالته. أوباما مرهق بتداعيات هجمات تنظيم «داعش» في مناطق مختلفة، قد تنتقل إلى بلاده، هل نرى استقالات أخرى؟

في النهاية الإرادة السورية هي المنتصرة دائماً، والشعب السوري أبيّ لا يقبل أي تدخل في دولته ومصيره. ولا يرضى إلا أن يكون هو مصدر السلطة، ومرجعيته من ذاته. وعلى الآخرين الرضوخ لذلك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى