«يهودية الدولة» يعجّل في نهاية حكومة «تل أبيب»

يبدو أن قانون «القومية اليهودية»، أو ما يعرف بقانون «يهودية الدولة»، الذي يدعمه بقوة رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، وكتلته الانتخابية حزبا «الليكود» و«إسرائيل بيتنا»، والذي نال موافقة الحكومة الأسبوع الماضي وينتظر التصويت عليه في «الكنيست» الأربعاء المقبل، سيكون بداية النهاية لحكومة «تل أبيب»، بسبب المعارضة القوية للقانون من داخل أحزاب ائتلافه الحاكم، وعلى رأسهم حزبا «الحركة» و«هناك مستقبل».

وتطوّر الأمر سريعاً عقب الاتصالات المكثفة التي أجراها مؤخراً وزير المالية يائير لابيد، رئيس حزب «هناك مستقبل»، الرافض للقانون مع الأحزاب الدينية في «إسرائيل»، لإقناعهم بعدم الانضمام إلى الحكومة في حال انفصال حزبه عن الائتلاف الحاكم. واتهم رئيس الائتلاف الحكومي القيادي البارز في حزب «الليكود» زئيف إلكين، وزير المالية «الإسرائيلي» بإجراء اتصالات مع حزبي «شاس» و«يهادوت ها توراة» اليهوديين المتشدّدين دينياً «الحريديم» لغرض إحداث انقلاب ضدّ رئيس الوزراء «الإسرائيلي».

ونقلت «الإذاعة العامة الإسرائيلية» عن إلكين قوله، إن «الليكود» تمكّن من إحباط مناورات لابيد، ومحاولاته لإسقاط الحكومة «الإسرائيلية». مشيراً في الوقت نفسه إلى أن «الليكود» لم يتوصل حتى الآن إلى تفاهمات نهائية مع حزبَي «الحريديم» حول دعمهما ترشيح نتنياهو لرئاسة الحكومة المقبلة أيضاً بعد إجراء الانتخابات المقبلة.

وفي محاولة منه لإنقاذ حكومته من السقوط، عقد رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو أمس الاثنين لقاءً مع كبار وزرائه، في محاولة أخيرة لإنقاذ ائتلافه الحكومي. ومن المتوقع أن يقرّر نتانياهو، في الأيام القليلة المقبلة، ما إذا كان سيدعو إلى انتخابات مبكرة.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية إنه على خلفية الاضطرابات المتزايدة حول مشروع قانون «الدولة اليهودية»، الذي من شأنه تكريس مكانة «إسرائيل» اليهودية في قوانين أساس الدولة، التقى نتنياهو مع وزير الخارجية أفيغادور ليبرمان رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أول من أمس الأحد، وكان من المقرّر أن يلتقي وزير المالية يائير لابيد ووزيرة القضاء تسيبي ليفني، ووزير الاقتصاد نفتالي بينيت رئيس حزب «البيت اليهودي» أمس لإنقاذ الحكومة.

وكانت ليفني وأيضاً لابيد قد أعلنا أنهما سيعارضان مشروع قانون «الدولة اليهودية» إذا طُرح على «الكنيست» الأربعاء المقبل فى صيغته الحالية، حتى لو كان ثمن ذلك إسقاط الحكومة.

وقالت مصادر مقرّبة من نتنياهو، إن رئيس الحكومة سيقوم في الأيام المقبلة بمحاولة أخيرة في دراسة ما إذا كان من الممكن التوصل إلى اتفاقات من شأنها أن تسمح في استمرار وجود الحكومة، بطريقة تسمح بإدارة شؤون الدولة بشكل صحيح.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إنّ شهراً تقريباً مرّ منذ المرّة الأخيرة التي تحدّث فيها نتنياهو مع لابيد، بسبب الصراع بينهما حول الموازنة السنوية، وخلافات متواصلة حول عدّة مشروعات قوانين. ووجهت المصادر انتقادات شديدة للابيد، بسبب خطته لإسقاط رئيس الوزراء، وتشكيل حكومة بديلة، إضافة إلى حجبه الأموال عن وزارة الدفاع.

وفي المقابل، شنّ عدد من نشطاء «فايسبوك» «الإسرائيليين» المؤيدين لنتنياهو حملة تحريض واسعة ضدّ كل من لابيد ووزيرة القضاء تسيبي ليفني، التى تتزعم حزب «الحركة» المناهض للقانون أيضاً.

وكتب عوزي برعام في صحيفة «هاآرتس» العبرية، أنّ عام 2014 أحد الأعوام السيئة التي مرّت على دولة «إسرائيل». ففي هذه السنة خرجت من مخبئها الكراهية، العنصرية والسعي إلى «توحيد إيماني يهودي». هذه القيم حُملت من قبل أشخاص معروفين وذوي مكانة وقدرة على التواصل مع وسائل الاعلام. لقد رأينا التدهور ونظرنا بقلق كيف تتحول شعارات قومية ودينية إلى مركزية أكثر فأكثر في الحوار الجماهيري، لكننا لم نُشخص اللحظة التي كان يجب فيها أن نقف ونفهم إلى أين تتجه الامور.

وكانت اللحظة الحاسمة في الهيئة العامة لـ«الليكود» في 26/11/2012، إذ تحدّدت قائمة «الكنيست» للانتخابات. وقد أُخرج من هذه القائمة ميخائيل إيتان، دان مريدور وبني بيغن. طرد إيتان ومريدور كان متوقعاً بسبب مواقفهما السياسية والمدنية وعلاقتهما بسلطة القانون، بينما طرد بيغن كان يفترض أن يدق الجرس للتحذير. الجرأة على طرد بيغن من «الكنيست»، إبن زعيم «الليكود» المحبوب، كانت صادمة. بني بيغن شريك في مواقف اليمين السياسي، يقاتل ضد منظّمة التحرير الفلسطينية وحماس، وهو كنز أخلاقي للحركة المصابة بالمرض لكن الجريئين ألقوا به إلى الخارج ونحن اعتبرنا ذلك أمراً عادياً.

أخرِج بيغن من القائمة لأنه كان مخلصاً للديمقراطية البرلمانية واحترم القانون. وحتى بنيامين نتنياهو الذي فهم أنه أمام مشكلة أخلاقية وجوهرية أسرع ليعلن: «كبرنا جميعاً كمخلصين لفكرة جابوتنسكي. وسأحافظ على هذه القيم في الحكومة المقبلة، وأريدكم إلى جانبي». معروف أن مصير هذا التصريح كان كمصير التصريحات الأخرى. لقد أُبعِد الثلاثة عن طريق اليمين الجديد الذي يمتلئ كراهية وانفصالية. نتنياهو الذي وعد بالحفاظ على أفكار زئيف جابوتنسكي استبدلها بأفكار زئيف إلكين. لكن الرادار الخاص بنا لم يعمل. لم نفهم أنّ شيئاً ما سقط: من طرد بيغن من «الكنيست» لن يردعه شيء.

الحادثة الثانية التي رأينا فيها مؤشرات الخطر، لكننا ضاءلنا أهميتها، كانت بعد انتخابات 2013 فوراً. يئير لابيد الذي فاز فوزاً كبيراً، أراد إثبات قوته في القيصرية السياسية وانضم إلى نفتالي بينيت، رئيس حزب المستوطنين. هذان الاخوان كانا مرتاحين وتقريباً شركاء في الطريق.

فرض لابيد على نتنياهو وعلى رغم أنفه إدخال بينيت إلى الحكومة، وعوفر شيلح ايضاً اختار بينيت وحارب من أجله، لأنهما آمنا أنه سيمهد لهما الطريق في الصراع ضد «الحريديم». وتجاهلا أنه من وراء بينيت قائمة فيها أوري آريئيل، موتي يوغاف وأوريت ستروك، رمز الصراع ضدّ أي مبادرة سلام وضد المفاوضات.

هكذا ساهم لابيد في التدهور عام 2014. تحوّل بينيت إلى شرعي، وهو يقود الرأي العام، وهو صديق نتنياهو الافضل. صعوده في الاستطلاعات أدّى إلى تحوّل يمينيّ آخر لدى نتنياهو، وبشكل مناقض لمصلحة الدولة.

حول قانون القومية كتب وسيكتب أيضاً، ولكني أضيف هنا: من الصعب أن أصدق كيف أن يد نتنياهو لا ترتجف عندما يأتي لتغيير قوانين اللعب المتفق عليها في «إسرائيل»، في طريقه لخلق دولة تمييز عنصري، في خطوة ستزيد من معاداة المجتمع الدولي لنا. وقد رأيت تفسيراً مقنعاً مع القانون: إذا كان رؤساء حاليون ورؤساء سابقون يشككون بدولة «إسرائيل» كـ«دولة الشعب اليهودي القومية»، فإنّ هذا دليل على أن القانون ضروري ومطلوب. هذا تفسير ساحق: شمعون بيريز وروبي ريفلين سيتعلمان من زئيف إلكين وأوريت ستروك.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى